الدائنين وأصحاب الحقوق مثلهم يجب على المدين المحتضر أن يوصي لهم بحقوقهم متى خاف عليها من الضياع؛ لعموم الأدلة السابقة.
الثالث: لو كان المقصود ذلك -أيضاً-؛ لما قال الله تعالى: ﴿بِالْمَعْرُوفِ﴾؛ لأن الوصية في هذه الحالة واجبة، والمعروف غير الواجب كما سبق.
الرابع: ولأن الوصية في هذه الحال تكون بجميع الحقوق الواجبة، لا بالمعروف، إلا أن يحمل المعروف على العدل، كما يقول بعض المفسرين (١)، والعدل هو الوصية لهم بجميع حقوقهم، وذلك واجب، أو يجعل المعروف من المعرفة، وأل فيه للعهد المعروف المعهود، وهو الحقوق المعروفة بين الدائن والمدين: الموصى والموصى له.
الخامس: أن الدين غير الوصية، وقد ذكرها الله تعالى في آية المواريث، وغاير بينهما، وسمى كل واحد باسمه، حين قال: ﴿مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ﴾ (٢).
فالدين لا يسمى وصية شرعاً، والمدين المحتضر إذا أقر بما عليه من الحقوق لا يكون بذلك موصيا، وإنما هو اعتراف بالحق وإقرار به.
السادس: الآية عامة في كل من حضره الموت كما سبق، وحملها على خصوص من عليه ديون، أو عنده حقوق، تخصيص يحتاج إلى دليل من جهة.
ومن جهة ثانية: يؤدي إلى حمل الآية على الصورة النادرة، أو أندرها، وهو المحتضر المدين للوالدين والأقربين ويبقى حكم المحتضر المدين لغيرهم، والمحتضر الذي لا دين عليه، ولا حق عنده مسكوتاً عنه غير داخل
(١) الجامع لأحكام القرآن ٢/ ٧٩، الجامع لأحكام القرآن لابن العربي ٢/ ١٧٤، الوصايا والتنزيل ص ٦١. (٢) من الآية ١١ من سورة النساء.