وأكثر هذه الحقوق غير واجبة، فدل على أن هذه الصيغة غير صريحة في الوجوب، قابلة للتأويل، فتحمل على الندب جمعاً بين الأدلة.
الوجه الثاني: يرى بعض القائلين بعدم الوجوب: أن آية الوصية على تسليم دلالتها على الوجوب جدلاً محمولة على من عليه حق من حقوق الله فرط فيها، أو عليه ديون لغيره، أو عنده ودائع أو أمانات، أو له حقوق عند غيره يخشى ضياع تلك الحقوق إذا لم يوص بها؛ لعدم من يشهد بها، فهذا يجب عليه الإيصاء بها؛ لوجوب أدائها لأهلها، كما قال تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا﴾ (١)، وقوله: ﴿فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ﴾ (٢) وإذا تعذر عليه أداؤها في حياته لسبب من الأسباب وجب عليه الإيصاء بها لأهلها عند موته؛ لأنه لا سبيل أمامه لإيصال الحق لأهله إلا الوصية، فتجب عليه حينئذ؛ لقاعدة: المقدور الذي لا يتم الواجب المطلق إلا به واجب (٣)، وعلى هذا المعنى حمل أبو ثور هذه الآية، فيما نقله ابن المنذر (٤).
وأجيب عن هذا بأجوبة:
الأول: أن الآية خطاب عام كل من حضره الموت: ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ﴾ وليس كل من حضره الموت مديناً للوالدين والأقربين.
الثاني: لو كان المقصود من عليه حق لله أو لغيره؛ لما خص الله الوالدين والأقربين بوجوب الوصية لهم بحقوقهم وديونهم؛ لأن غيرهم من
(١) من الآية ٥٨ من سورة النساء. (٢) من الآية ٢٨٣ من سورة البقرة. (٣) المحلى، مصدر سابق، ١/ ٩٢. (٤) الفتح ٥/ ٣٥٩، الجامع لأحكام القران ٢/ ١٧٤.