أن يُوصي فيه" فالآية تقرير لحق المحتضر في الوصية للوالدين والأقربين؛ لئلا يمنعه الورثة بحجة أن المال صائر إليهم.
وأما قوله تعالى: ﴿حَقًّا﴾ فإن الحق معناه الثابت من حق الشيء إذا ثبت، والواجب والمندوب كلاهما حق ثابت (١) والآية تحتملها، واللفظ المشترك لا يصح حمله على أحد المعنيين المتضاديين إلا بقرينة، والقرينة هنا تدل على الندب، وهي قوله تعالى: ﴿بِالْمَعْرُوفِ﴾ فإن المعروف هو الإحسان، وهو غير الواجب، ولا يصح ما قاله الآخرون من أن المعروف هو الواجب؛ إذ يصير المعنى: كتب عليكم الوصية بالواجب وهم لا يقولون بذلك.
كما أن لفظ ﴿الْمُتَّقِينَ﴾ لا يقتضي إيجابها على غيرهم، بل يقتضي العكس بطريق مفهوم المخالفة، فلا يصح القول بدلالة لفظ ﴿الْمُتَّقِينَ﴾ على وجوب الوصية.
وأما قوله: ﴿عَلَى﴾ التي تمسك بها القائلون بالوجوب، فالجواب عنه: إنها وإن كانت ظاهرة في الوجوب، فإنها تستعمل في غيره من المندوبات، وفي الواجبات والآداب الأخلاقية، فتحمل هنا على الوجوب الأخلاقي والأدبي، بقرينة لفظ المعروف وبقرينة المتقين.
وقد جاءت بهذا المعنى في كثير من الأحاديث النبوية، مثل:
(٤٧) ما رواه مسلم من طريق العلاء، عن أبيه، عن أبي هريرة ﵁ أن رسول الله ﷺ قال:«حق المسلم على المسلم ست» قيل: ما هن يا رسول الله؟، قال:«إذا لقيته فسلم عليه، وإذا دعاك فأجبه، وإذا استنصحك فانصح له، وإذا عطس فحمد الله فشمته، وإذا مرض فعده، وإذا مات فاتبعه»(٢).
(١) أحكام القران لابن العربي ١/ ٦١. (٢) صحيح مسلم - كتاب السلام/ باب من حق المسلم على المسلم رد السلام (٥٧٧٨).