عليه، فكأنها تقول: لم يوص بشيء؛ لأنه لم يترك شيئا يوصي فيه، لا درهما ولا دينارا … فاستقام الكلام بهذا المعنى، ولا يستقيم لو قالت لم يوص بالخلافة؛ لأنه لم يترك مالا … فبان أن حمل الوصية في حديث مسلم على الوصية بالخلافة بعيد يأباه السياق ويرده.
وأما بالنسبة لحديث عبد الله بن أبي أوفى، فإن الزيادة المشار إليها سابقا لا يصح أن تكون قرينة على إرادة الوصية بالخلافة كما قيل لسببين:
الأول: أنها معارضة
(٣٦) بما جاء في رواية ابن حبان من طريق سفيان قال: حدثنا مالك بن مغول: عن طلحة بن مصرف قال: سألت عبد الله بن أبي أوفى: هل أوصى رسول الله ﷺ؟ قال: ما ترك رسول الله ﷺ شيئا يوصي فيه، قلت: فكيف يأمر الناس بالوصية؟ قال:" أوصى بكتاب الله "(١).
وهي واضحة في أن الوصية التي سئل عنها ونفاها هي الوصية بالمال؛ لأنها التي قال الله فيها: ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ﴾ (٢) وأما الوصية بالخلافة فلا يصح أن يقال فيها كيف كتب على الناس؟؛ لأنها لم تكتب عليهم، ولم يؤمروا بها، ولا يملكونها، لا يسأل عنها ولا يصح حمل الحديث عليها.
ثانياً: أن قوله: "ما ترك شيئا يوصي" فيه دليل قاطع على أنه أراد الوصية بالمال لا الوصية بالخلافة كما سبق توضيحه في حديث عائشة ﵂.
يضاف إلى هذا وذاك أن الوصية في العرف هي الوصية بالمال، واللفظ يجب حمله على معناه العرفي حتى يدل الدليل على الخلافة، ولا وجود له
(١) صحيح ابن حبان (٦٠٣٢)، وأخرجه الحميدي (٧٢٢) عن سفيان به. (٢) من الآية ١٨٠ من سورة البقرة.