غضبان دليلٌ على نفاذ حُكمه، لذلك ورد النَّهي خشية أن يُخرجه غضبُهُ عن سداد النظر وعدالة القضاء فيقضي بغير الحق، فيهلك ويُهلك غيره (١).
ونوقش: بأنَّ النَّهي يقتضي فساد القضاء، فإذا لم يصح قضاؤه في الغضب، فلا اعتبار لحكمه (٢).
وأجُيب: بأنَّ النهي لا يقتضي الفساد مطلقاً، فقد ورد النهي عن الصلاة في الأرض المغصوبة، والبيع بعد النِّداء الثاني من يوم الجمعة، مع صحَّة الصلاة والبيع، فالنهي إمَّا للتحريم أو للكراهة، لتفويت فضيلةٍ أو دفع مضرَّة، أو للاحتياط؛ كالنَّهيِ عن القضاء حال الغضب، وإلاَّ فالقضاء صحيحٌ، فقد قضى ﷺ في شراج الحرَّة مع غضبه في تلك الحالة (٣)، فدلَّ على نفوذ الأحكام في الغضب (٤).
ورُدَّ عليه: بعدم التسليم بأنَّ النَّهي لا يقتضي الفسادَ إلاَّ ما قام الدَّليل على عدم اقتضائه لذلك؛ لوجود قرينة تصرفه عن معناه الحقيقي، ففي هذه الحالة يُخصَّص النَّهي حسب ما اقتضاه الدَّليل (٥).
(٦٤) ٦ - ما رواه البخاري من طريق أبي حصين، عن أبي صالح، عن أبي هريرة ﵁ أنَّ رجلاً قال للنبي ﷺ: أوصِني، قال:(لا تغضَب) فردَّدَ مراراً قال: (لا تغضَب)(٦).
وجه الدلالة: أنَّ وصيَّة النبي ﷺ للرجل بعدم الغضب، وتأكيده ذلك،
(١) فتح الباري بشرح صحيح البخاري، مرجع سابق، (١٣/ ١٤٧). (٢) إغاثة اللَّهفان في حكم طلاق الغضبان، مصدر سابق، (ص ٣٧). (٣) سبق تخريجه برقم (٦١). (٤) قواعد الأحكام في مصالح الأنام (١/ ٢٠٦)، اختيارات ابن عثيمين في النكاح والطلاق ص ٣٥٤. (٥) إرشاد الفحول، مرجع سابق، (٢/ ٣٧١). (٦) صحيح البخاري في كتاب الأدب/ باب الحذر من الغضب (٦١١٦).