كفَّارة لأمّته، ولعلَّ الحكمةَ من دعاء الرسول ﷺ رحمةً بأمَّته للتكفير عنها (١)، بخلاف الواهب في حالةِ الغَضَب فإنَّه لم يُعطَ وعداً بعدم المؤاخذة، بل الخلافُ جارٍ في ذلك.
ويُمكن أن يُجاب: بأنَّه مع التَّسليم بالحكمة، إلاَّ أنَّ هذا لا يتعارض مع القولِ بعَدَمِ مؤاخذةِ الغَضبان، بل يُؤيّده؛ وذلك أنَّ التَّكفير والتَّجاوزَ عمَّن سبَّه وشَتَمَه رسولُ الله ﷺ مع إغضابه لرسول الله ﷺ وعِظَمِ فعله، ومع ذلك يُكفر عنه، فمن باب أولى التَّجاوز عن غيره، وخاصَّةً أنه غالباً لم يتجرَّأ على إغضاب رسول الله ﷺ إلاَّ لغضبه في هذه الحالة.
(٥٨) ٩ - وقال البخاري: قال ابن عباس ﵄: "الطَّلاقُ عن وَطَر (٢)، والعتق ما يبتغى به وجه الله "(٣).
وجه الدلالة: في هذا الأثر دلالةٌ على عدم وقوع طلاق الغضبان؛ لأنه اشترط أن يكون الطَّلاق عن قصد من المُطَلِّق وتصوُّرٍ لما يقصدُهُ، فإن تخلَّف أحدُهُما لم يقع طلاقُه، فشدَّة الغضب تمنعُه من التَّثبُّت والتَّروّي وتُخرجُه من حال اعتداله فتُلجئُهُ إلى ما لا يرغبُه ولا يرضاه فلا يقع طلاقُه؛ لعدم خالص قصده وأمره، وكذا الهبة (٤).
١٠ - قياس الغضبان على السَّكران والمكره؛ لتساويهما في علَّة عدم القصد والإرادة (٥) من حيث إن الغضبان محمولٌ على قصدِهِ وإرادته، وذلك
(١) طرح التثريب في شرح التقريب (٨/ ١٤) بتصرُّف. (٢) محرَّكة: هي الحاجة أو حاجة الإنسان فيها هم وعناية، فإذا بَلَغَها فقد قضى وَطَره. (يُنظر: لسان العَرَب (١٥/ ٣٣٦)، القاموس المحيط (ص ٦٣٤)). (٣) علَّقه البخاريُّ عن ابن عباس في كتاب الطلاق/ باب الطلاق في الإغلاق والإكراه، والسكران والمجنون وأمرهما، والغلط، والنسيان في الطلاق والشرك وغيره، (٣/ ٤٠٥). (٤) زاد المعا، مرجع سابق، د (٥/ ٢١٥). (٥) إغاثة اللَّهفان في حكم طلاق الغضبان (ص ١٧، ١٦)، إعلام الموقعين (٤/ ٤١).