حكمُهُ حكم اليمين، والدليلُ على ذلك إلزامُهُ بالكفَّارة، فلولا مؤاخذتُهُ على لفظِهِ لما أُلزِمَ بها (١).
وأُجيب: بأنَّ إيجاب الكفَّارة لا يقتضي ترتُّب موجب النَّذر، فالكفَّارة لا تستلزم التكليف، والدليل: وجوبُها في مال مَن عفا الشارع عنهم كالصغير، والمجنون، والناسي، والمخطئ، فمن باب أولى إيجابُها في النَّذر؛ وذلك لدفع الضَّرر الحاصل من عدم تنفيذ النَّذر.
(٥٧) ٨ - ما رواه البخاري من طريق سعيد بن المسيب، ومسلم من طريق سالم مولى النصريين قال: سمعت أبا هريرة ﵁ يقول: سمعت رسول الله ﷺ يقول: "اللهم إنما محمد بشر، يغضب كما يغضب البشر، وإني قد اتخذت عندك عهداً لن تخلفنيه، فأيما مؤمن آذيتُهُ، أو سَبَبتُهُ، أو جَلَدتُهُ، فاجعلها له كفارةً وقربةً تُقَرِّبُهُ بها إليك يوم القيامة"(٢).
وجه الدلالة: أنَّ تأثير الغضب على رسول الله ﷺ وهو المعصوم والمالك للفظه، وتصّرُفه في حالة الرِّضا والغضب يدلُّ على أنَّ الغضب سُلطانٌ، فإذا كان هذا حالُ رسول الله ﷺ وطلبه من ربِّهِ أن لا يؤاخذه ويكون ما قاله كفَّارةٌ لأمَّتِهِ، فمن باب أولى غير المعصوم من الغضب؛ وذلك لأنَّ غضبه قد يُلجئه إلى أُمورٍ عِظامٍ كالطلاق، والهبة، فمن الحكمة عدَمُ مؤاخذته في هذه الحالة؛ لأنَّه في حكم المُكرَه (٣).
ونوقش: بأنَّ الرَّسولَ ﷺ أخَذَ من ربِّهِ العهدَ أن لا يؤاخذه، وأن يجعلها
(١) الفواكه العديدة في المسائل المفيدة، مرجع سابق، (٢/ ٥٤). (٢) صحيح البخاري في الدعوات/ باب قول النبي ﷺ من آذيته (ح ٦٣٦١)، ومسلم في البر والصلة والآداب/ باب من لعنه النبي ﷺ أو سبه أو دعا عليه وليس هو أهلا لذلك كان له زكاة وأجرا ورحمة (ح ٢٦٠١) واللفظ له. (٣) إغاثة اللَّهفان في حكم طلاق الغضبان (ص ٤١).