وجه الدلالة: أنَّ الغضبَ من نزغ الشيطان، فإنه يُلجئه إلى ما لا يُريدُهُ ولا يختارُهُ، والدليلُ على ذلك:
(٥٥) ما رواه البخاري ومسلم من طريق عدي بن ثابت، عن سليمان بن صرد ﵁ قال: استبَّ رجلان عند النبي ﷺ وأحدُهُما يَسُبُّ صاحبَه مُغضباً قد احمرَّ وجهُه، فقال النبي ﷺ:" إنّي لأعلم كلمةً لو قالها لذَهَبَ عنه ما يَجد، لو قال: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم "(٢).
فإذا كان الحالُ كذلك فيلزم عدم مؤاخذة العبد فيما يصدُرُ منه حالَ غَضَبِهِ، كالطَّلاقِ والظِّهارِ؛ لأنَّه في حكم المُجبَر على ذلك (٣).
ونوقش من وجهين:
الوجه الأول: أنَّ القول بعدم وقوع الهبة بحجَّة أنه من الشيطان يقتضي إسقاط الحدود والأحكام عن أصحابها؛ لأنَّ إتيانها بنزغٍ من الشيطان، وهذا لا يُقرُّهُ شرع ولا عقل (٤).
ويُمكن أن يُجاب: بأنَّه مع التَّسليم بهذا المُقتضى إلاَّ أنَّ تحقُّق هذا فيما لو أطلَق القول بهذا في جميع الأحكام، فالقول به محصور في بعض المواضع.
(١) آية ٢٠٠ من سورة الأعراف. (٢) صحيح البخاري في كتاب الأدب/ باب ما يجوز من الغضب والشدَّة لأمر الله تعالى، وقال الله تعالى: " جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم " (٦١١٥)، ومسلم في البر/ باب فضل من يملك نفسه عند الغضب (٢٦١٠). (٣) إغاثة اللَّهفان في حكم طلاق الغضبان (ص ١٠ - ١١). (٤) فتح الباري بشرح صحيح البخاري (٩/ ٣٠) بتصرُّف.