المؤجرة، ولا يتبقى من ريع الوقف إلا أجرة ضئيلة جداً تم فرضها من أجل حماية صورة الوقف دون الحفاظ على حقيقته وثمرته، وهل أكثر دلالة على أن هذا العقد هو استبدال للوقف مما ذكر من أن للمستأجر حق التصرف في العقار المؤجر بالبيع والإجارة، وأن هذا الحق يورث كذلك.
فالمستأجر يتصرف تصرف الملاك وعليه فهو بيع واستبدال، ولا بد لإجازته من تحقق شروط الاستبدال وكونه أحظ للوقف.
ولما كان الاستبدال هنا إلى غير بدل إلا أجرة ضئيلة كما سبق، فإن القول بالمنع منه هو الراجح.
ثالثاً: هذا العقد لا يحقق منفعة الوقف وليس أحظ للموقوف عليهم، ولا موافقاً لمراد الواقف، بل هو يلحق الخطر بالوقف، وخطر ضياع الأوقاف لا يقل عن خطر خرابها.
فكما تمنع إجارة من يخشى تغلبه على الوقف واستيلاؤه عليه (١)، فمن باب أولى يمنع تسليمه إلى مستأجر يتصرف فيه تصرف الملاك.
ولذا يجب معاملة هذه الصورة كحالة استبدال يشترط فيها ما يشترط في الاستبدال.
ومما يحسن نقله هنا ما ذكره الإمام ابن القيم ﵀ من مفاسد كثيرة للإجارة الطويلة مطلقاً ضمن فصل أفرده في إبطال حيلة لتأجير الوقف مدة طويلة حيث يقول ﵀: "ومن الحيل الباطلة: تحيلهم على إيجار الوقف مئة سنة مثلا، وقد شرط الواقف ألا يؤجر أكثر من سنتين أو ثلاثا، فيؤجر المدة الطويلة في عقود متفرقة في مجلس واحد، وهذه الحيلة باطلة قطعا، فإنه إنما قصد بذلك دفع المفاسد المترتبة على طول مدة الإجارة فإنها مفاسد كثيرة جدا، وكم قد ملك من الوقوف بهذه الطرق وخرج عن الوقفية بطول المدة
(١) ينظر: الأوقاف فقهاً واقتصاداً للدكتور رفيق المصري ص ٩٦.