واستيلاء المستأجر فيها على الوقف هو وذريته وورثته سنينا بعد سنين، وكم فات البطون اللواحق من منفعة الوقف بالإيجار الطويل، وكم أجر الوقف بدون إجارة مثله لطول المدة وقبض الأجرة وكم زادت أجرة الأرض أو العقار أضعاف ما كانت ولم يتمكن الموقوف عليه من استيفائها، وبالجملة فمفاسد هذه الإجارة تفوت العد، والواقف إنما قصد دفعها وخشي منها بالإجارة الطويلة فصرح بأنه لا يؤجر أكثر من تلك المدة التي شرطها، فإيجاره أكثر منها سواء كان في عقد أو عقود مخالفة صريحة لشرطه مع ما فيها من المفسدة، بل المفاسد العظيمة.
ويالله العجب هل تزول هذه المفاسد بتعدد العقود في مجلس واحد، وأي غرض للعاقل أن يمنع الإجارة لأكثر من تلك المدة، ثم يجوزها في ساعة واحدة في عقود متفرقة، وإذا أجره في عقود متفرقة أكثر من ثلاث سنين أيصح أن يقال وفى بشرط الواقف، ولم يخالفه، هذا من أبطل الباطل وأقبح الحيل، وهو مخالف لشرط الواقف ومصلحة الموقوف عليه، وتعرض لإبطال هذه الصدقة، وأن لا يستمر نفعها وألا يصل إلى من بعد الطبقة الأولى وما قاربها، فلا يحل لمفت أن يفتي بذلك ولا لحاكم أن يحكم به، ومتى حكم به نقض حكمه، اللهم إلا أن يكون فيه مصلحة الوقف بأن يخرب، ويتعطل نفعه، فتدعو الحاجة إلى إيجاره مدة طويلة يعمر فيها بتلك الأجرة، فهنا يتعين مخالفة شرط الواقف تصحيحا لوقفه واستمرارا لصدقته، وقد يكون هذا خيرا من بيعه والاستبدال به، وقد يكون البيع أو الاستبدال خيرا من الإجارة، والله يعلم المفسد من المصلح " (١).
وقد نبه ابن حجر الهيتمي في كتابه: الإتحاف ببيان أحكام إجارة الأوقاف من الفتاوى الكبرى، إلى اشتراط المصلحة مع أجرة المثل في