الأوقاف تمسك على المجتمع كيانه من الداخل فلا ينهار، وتمسك عليه كيانه من الخارج فلا تكتسحه غارات العدوان والدمار.
نقرأ عن مناطق الحدود الإسلامية، فنجد أسلافنا ممن عمر الإيمان قلوبهم بحب إخوانهم وأوطانهم، يرصدون الأوقاف لحراسة الحدود والدفاع عن ديار الإسلام.
يقول ابن حوقل عن (طرسوس) على حدود المسلمين مع دولة الروم: ورأيت غير عاقل مميز، وسيد حصيف مبرز، يشار إليه بالدراسة والفهم، واليقظة والعلم، يذكر أن بها مئة ألف فارس، وكان ذلك عن قريب عهد من الأيام التي أدركتها وشاهدتها، وكان السبب في ذلك:
أنه ليس من مدينة عظيمة من جد سجستان، وكرمان، وفارس، وخوزستان، والجبال، وطبرستان، والجزيرة، وأذربيجان، والعراق، والحجاز، واليمن، والشام، ومصر، والمغرب، إلا بها لأهلها دار ينزلها غزاة تلك البلدة، ويرابطون بها إذا وردوها وتكثر لديهم الصلات، وترد عليهم الأموال والصدقات العظيمة الجسيمة إلى ما كان السلاطين يتكلفونه، وأرباب النعم يعانونه وينفذونه متطوعين متبرعين، ولم يكن في ناحية ذكرته رئيس ولا نفيس إلا وله عليه وقف من ضيعة ذات مزارع وغلات، أو مسقف من فنادق (١).
ولقد حاولت موجات الاستعمار الغربي في العصور الحديثة، بعد أن سيطر الغرب على البلاد الإسلامية، أن يضغطوا على المسلمين عن طريق السيطرة على الوقف ومعارفه، إذ إن الوقف أحد العوامل الرئيسية التي استند إليها المسلمون الذي وقف ضد رغبات الاستعمار السياسي والفكري