الأول بعدم ملكية الناظر لإجارة الوقف مدة طويلة؛ لقوة ما استدلوا به، ولأن القول به هو الموافق للعادة والعرف، ففي العادة أن الإجارة تطلق على ما إذا كانت مدة الانتفاع قصيرة كالسنة والسنتين، والعادة المطردة في زمن الواقف إذا عرفها تكون بمنزلة شرطه، فينزل الوقف عليها ويمتنع إيجاره مدة أطول من تلك المدة (١).
ولما في الإجارة الطويلة من المفاسد الكثيرة، مثل أن تؤدي إلى اندراسه وتملكه.
وهذا الترجيح فيما إذا لم تكن الإجارة الطويلة ضرورة أو أصلح للوقف، فإن كانت كذلك صحت؛ لأن مصلحة الوقف مقصودة (٢).
وسئل الشيخ أبو زرعة: " عما يفعله حكام مكة من إجارة الدار الخربة الساقطة مئة سنة ونحوها ممن يقوم بعمارتها، ويقدرون ذلك أجرتها في مدة الإيجار ويأذنون في صرفه في العمارة، ويقرون الدار معه بعد عمارتها على حكم الإجارة السابقة من غير زيادة في الأجرة، هل هذا التصرف حسن يسوغ اعتماده وتكراره أم لا؟ لأن هذه المدة تؤدي إلى تملك الوقف غالباً، وذلك أعظم ضرراً من الخراب.
فأجاب الإمام أبو زرعة بما ملخصه: أن منافع الوقف كمنافع الطلق، يتصرف فيها الناظر بالمصلحة، وقد تقتضي المصلحة تكثير مدة الإجارة وتقليلها، وحينئذ فيجوز إجارة الدار الموقوفة مدة تبقى إليها غالباً، ويختلف ذلك باختلاف الدور وباختلاف البلاد في أحكام ما يبنون به وإتقانه ومدة بقائه غالباً، فما يفعله حكام مكة من إجارة دور الوقف الخربة الساقطة مئة سنة أو نحوها عند الاحتياج لأجرة المدة المذكورة لأجل العمارة حسن،
(١) الاتحاف في إجارة الأوقاف، مرجع سابق، ٣/ ٣٤٥. (٢) حاشية رد المحتار ٤/ ٤٠١، الشرح الصغير ٢/ ٣١١، إعلام الموقعين ٣/ ٢٩٢.