على أنه لو كان ﵁ لا يرى جواز الوقف، فإنه معارض بالأحاديث الصحيحة، وبعمل عامة أصحاب رسول الله ﷺ.
(٣١) ٨ - وقال البخاري:" وباع حسان حصته منه من معاوية، فقيل له: تبيع صدقة أبي طلحة؟ "(١).
ونوقش هذا الاستدلال: بأن الصحابة ﵃ أنكروا ذلك عليه.
٩ - أن الوقف تبرع بالمنفعة وهي معدومة وقت إنشائه، وتمليك المعدوم لا يصح.
ونوقش هذا الاستدلال من وجهين:
الأول: أنه لم يرد في الشريعة المنع من تمليك المعدوم مطلقا، بل جازت هبة المعدوم، والوصية به، بل والمعاوضة عليه في بعض الصور.
الثاني: أنه لو منع من تمليك المعدوم، فهذا في عقود المعاوضات لبنائها على المشاحة دون عقود التبرعات لبنائها على المسامحة.
الترجيح:
الراجح -والله أعلم- قول جمهور أهل العلم؛ لقوة أدلتهم، ومما يؤيد قول جمهور أهل العلم: أن أبا يوسف رجع بعد المناظرة التي دارت بينه وبين الإمام مالك بحضرة الرشيد، فظهر عليه مالك، وقال:" هذه أوقاف رسول الله ﷺ ينقلها أهل المدينة خلفهم عن سلفهم " قال الباجي: "وهذا فعل أهل الدين والعلم في الرجوع إلى الحق حين ظهر وتبين "(٢).
حتى إن محمد بن الحسن استبعد قول أبي حنيفة وسماه تحكما على الناس من غير حجة، فقال: " ما أخذ الناس بقول أبي حنيفة وأصحابه إلا
(١) صحيح البخاري مع فتح الباري ٥/ ٣٧٨. (٢) المنتقى مصدر سابق، ٦/ ١٢٢.