﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا﴾ (١)، فإن الخلق ثابت لكل واحد من الناس؛ وكلا منهم مخاطب بالعبادة والطهارة؛ وليس كل واحد من الأمة أمة وسطا، ولا خير أمة، ثم العموم المقابل بعموم آخر قد يقابل كل فرد من هذا بكل فرد من هذا، كما في قوله: ﴿آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ﴾ (٢) فإن كل واحد من المؤمنين آمن بكل واحد من الملائكة والكتب والرسل، وقد يقابل المجموع بالمجموع بشرط الاجتماع منهما؛ كما في قوله: ﴿قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا﴾ (٣) فإن الالتقاء ثبت لكل منهما حال اجتماعهما، وقد يقابل شرط الاجتماع من أحدهما كقوله: ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ﴾ (٤) فإن مجموع الأمة خير للناس مجتمعين ومنفردين، وقد يقابل المجموع بالمجموع بتوزيع الأفراد على الأفراد، فيكون لكل واحد من العمومين واحد من العموم الآخر كما يقال: لبس الناس ثيابهم وركب الناس دوابهم، فإن كل واحد منهم ركب دابته ولبس ثوبه، وكذلك إذا قيل: الناس يحبون أولادهم، أي: كل واحد يحب ولده؛ ومن هذا قوله سبحانه: ﴿وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ﴾ (٥) أي كل والدة ترضع ولدها؛ بخلاف ما لو قلت: الناس يعظمون الأنبياء؛ فإن كل واحد منهم يعظم كل واحد من الأنبياء، فقول الواقف: على أولاده؛ ثم على أولادهم: قد اقتضى ترتيب أحد العمومين على الآخر، فيجوز أن يريد أن العموم الثاني بمجموعه مرتب على مجموع العموم الأول، وعلى كل فرد من أفراده فلا يدخل شيء من هذا العموم الثاني في الوقف حتى ينقضي جميع أفراد العموم الأول، ويجوز أن
(١) من آية ١٤٣ من سورة البقرة. (٢) من آية ٢٨٥ من سورة البقرة. (٣) من آية ١٣ من سورة آل عمران. (٤) من آية ١١٠ من سورة آل عمران (٥) من آية ٢٣٣ من سورة النساء.