وينهى عنه ويذمه، فمن جعل الوقف للأغنياء فقط فقد جعل المال دولة بين الأغنياء، فيتداولونه بطنا بعد بطن دون الفقراء، وهذا مضاد لله في أمره ودينه، فلا يجوز ذلك، وفي السنن عن النبي ﷺ أنه قال:«لا سبق إلا في خف أو حافر أو نصل»(١). فإذا كان قد نهى عن بذل السبق إلا فيما يعين على الطاعة والجهاد، مع أنه بذل لذلك في الحياة وهو منقطع غير مؤبد، فكيف يكون الأمر في الوقف.
وهذا بَيِّنٌ في أصول الشريعة من وجهين: أحدهما: أن بذل المال لا يجوز إلا لمنفعة في الدين أو الدنيا، وهذا أصل متفق عليه بين العلماء " (٢).
دليل القول الثاني:(صحة الوقف على الأغنياء)
١ - ما تقدم من الأدلة -قريبا- على عدم اشتراط القربة؛ لصحة الوقف ويأتي الجواب عليها.
٢ - القياس على الوصية بجامع أن كلاً من الوقف والوصية المراعى فيه التمليك، وليس القربة.
ونوقش هذا الاستدلال:
قال شيخ الإسلام: " فأما إن جعل سبب الاستحقاق هو الغني، وتخصيص الغني بالإعطاء مع مشاركة الفقير له في أسباب الاستحقاق سوى الغنى مع زيادة استحقاق الفقير عليه، فهذا مما يعلم بالاضطرار في كل ملة أن الله لا يحبه ولا يرضاه " (٣).
٣ - أن الوقف من باب العطايا والهبات، لا من باب الصدقات.
(١) سبق تخريجه برقم (١٣٣). (٢) مجموع الفتاوى، مصدر سابق، ٣١/ ٣١. (٣) مجموع الفتاوى، مصدر سابق، ٣١/ ٣٤.