وقول عند الحنابلة (١) في حالة إذا لم يتعلق دين الله بالذمة.
القول الثاني: أن ديون الله تسقط بالموت، وحينئذ تقدم ديون العباد، إلا إذا أوصى الميت بهذه الديون، فتخرج حينئذ من ثلث ماله.
وهو مذهب الحنفية (٢).
القول الثالث: تقديم ديون الله على ديون العباد.
وهو مذهب الشافعية (٣)،
(١) الإنصاف ٦/ ٣٨٥. (٢) المبسوط ٢/ ٢٤٨، تبيين الحقائق ٧/ ٤٧٢. فعند الحنفية: إن أوصى لقوم بأعيانهم وأوصى مع ذلك بوصايا لله، فما كان لعباده يتحاصون فيه فيما بينهم في الثلث، وما كان لله يقدم بحسب الأقوى، الفرائض ثم الواجبات ثم النوافل، فإن كانوا سواء يقدم بما بدأ به الموصي. والطريقة في ذلك: بأن يقسم ثلث ماله نصفين: نصف لعباده يتحاصون فيه، والنصف الآخر وهو ما كان لله يقدم الأقوى فالأقوى. فإن كان مع الوصايا لله قد أوصى لواحد معين، كأن قال: ثلث مالي يُصرف في الحج والزكاة والكفارات ولزيد، فإن الثلث يُقسم على أربعة أسهم لكل واحد سهم. (٣) أسنى المطالب ٢/ ٤٩. فعند الشافعية: أن الموصي إذا أوصى بوصايا تزيد عن الثلث، ولم تجز الورثة، فلا تخلو هذه الوصايا إما أن تكون متعلقة بالموت، أو منجزة: فإن كانت متعلقة بالموت، فلا تخلو: إما أن تكون عتقاً، أو غيره: فإن كانت الوصايا عتقاً فَحَسْب، كأن أوصى بعتق خالد، ومحمد، وسالم أقرع بينهم، ولا يعتق من كلٍ بعضه، ولا يقدم العتق المعلق بالموت على الموصي بعتقه؛ لأن وقت استحقاقهما واحد، وقال بعضهم: تقع مُرَتَبة. فإن كانت الوصايا غير العتق، فيتحاصون في الثلث باعتبار القيمة، أو المقدار، كقسمة التركة بين أرباب الديون، وكالعول في الفرائض. فإذا اجتمع العتق وغيره، كأن أوصى لسالم بمال، وبعتق زيد، قُسِّط الثلث عليهما بالقيمة، وفي قول: يُقدم العتق لتعلق حق الله، وحق الآدمي به. أما إذا كانت الوصايا منجزة، فلا تخلو الوصايا: إما أن تكون دفعة واحدة أو لا، فإن لم تكن دفعة واحدة قدِّم الأول منها فالأول، وخرجت من الثلث؛ لقوتها وعدم حاجتها إلى إجازة الورثة، سواء كان فيها عتق أم لا، اتحد جنسها أم لا. أما إذا كانت هذه الوصايا قد وقعت دفعة واحدة، فلا تخلو: إما أن تكون متحدة الجنس، كعتق عبيد، أو إبراء جمع، فيُقرع في العتق خاصة؛ لحديث عمران بن حصين ﵁: " أن رجلاً أعتق ستة مملوكين له عند موته لم يكن له مال غيرهم، فدعا بهم رسول الله ﷺ فجزأهم أثلاثاً، ثم أقرع بينهم، فأعتق اثنين، وأرق أربعة، وقال له قولاً شديداً "، والأصل عند الشافعي: أن تقسط عليهم القيمة، ولكن ترك هذا الأصل في العتق للحديث. وإن كانت قد اختلفت جنس الوصايا، فإن كان فيها عتق قُدَّم العتق، وقال البعض: يقسط الثلث على الوصايا محاصَّة، وإن لم يكن فيها عتق تحاصوا في الوصايا. ويرى الشافعية: أن المحاصة تقع في الموصى به حتى وإن كان فيها واجب كالحج الواجب، وإن كان في الحقيقة يعتبر الحج الواجب من قبل الديون.