وجه الدلالة: أن لفظ "المعروف"، ولفظ "المتقين" يدلان على الندب لا الوجوب.
ونوقش هذا الاستدلال: بمنع دلالة الآية على ذلك، ولفظ "المعروف" ليس معناه الإحسان حتى يدل على الندب وينافي الوجوب، بل معناه العدل الذي لا شطط فيه ولا تقصير، وهو بهذا التفسير لا يناقض الوجوب بل يؤكده، كما قال تعالى: ﴿وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ﴾ (١) كما أن لفظ "المتقين" لا يدل على نفيها عن غيرهم، حتى يقال: تخصيصهم بها دليل على عدم وجوبها، وذلك لما يلي:
الأول: أن لفظ "المتقين" لا يدل على نفيها عن غيرهم إلا بطريق مفهوم المخالفة، وهو مختلف في حجيته.
الثاني: أن لفظ المتقين ذكر لتهييج المخاطبين وحثهم على امتثال الأمر بإشعارهم أن الوصية شعار المتقين، فلا يكون لهذا القيد مفهوم مخالفة؛ لأنه لم يؤت به للتقييد نظير قوله تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ (٢) فالتقوى فريضة على كل مؤمن، وعلى كل مسلم أن يكون متقياً، وبذلك يدخل في عموم الآية فلا تبقى خاصة بصنف من الناس، حتى يكون ذلك دليلاً على عدم وجوبها؛ بحجة أن الفرائض يستوي فيها جميع المكلفين.
٢ - ما رواه ابن عمر ﵄ أن النبي ﷺ قال:" ما حق امرئ مسلم له شيء يريد أن يوصي به يبيت ليلتين إلا ووصيته مكتوبة عنده "(٣).
(١) من الآية ٢٣٣ من سورة البقرة. (٢) من الآية ٢٧٨ من سورة البقرة. (٣) سبق تخريجه برقم (٢).