ثالثاً: اتفقوا على أن للأب أن يحابي بعض أولاده في الهبة حال صحته برضا بقية الإخوة (١)؛ وذلك لأن المنع من التفضيل إنما هو من أجل المفضولين، فإذا أذنوا زال المحذور (٢).
رابعاً: اتفقوا أيضا على أن الأب إذا وهب لبعضهم في مرض موته، فإن الهبة تأخذ حكم الوصية، فلا تصح إلا بإجازة بقية الورثة.
خامساً: اختلفوا في هبة الأب لبعض أولاده في الهبة حال صحته من غير رضا البقية، بأن فضّل بعضهم على بعض فيها، أو أعطى البعض وحَرَم البعض الآخر، وذلك على أقوال:
القول الأول: تحريم هبة أو تفضيل الأب لبعض الأولاد دون بعض.
وبه قال بعض المالكية، وبعض الشافعية (٣)، وهو المذهب عند الحنابلة (٤).
وبه قال الظاهرية (٥)، وعطاء، ومجاهد، وطاووس، وشريح، والشعبي، والنخعي، وابن شبرمة (٦)، والبخاري (٧).
وهو قول جمهور السلف (٨)، واختاره ابن تيمية (٩).
(١) الإنصاف، مرجع سابق، ٧/ ١٤٢. (٢) كشاف القناع ٤/ ٣١١، ويشترط أن يكون بلا حياء وخجل من البقية، أو أن يكونوا مكلفين، كما تقدم في الشرط. (٣) المنتقى ٦/ ٩٢، فتح الباري ٩/ ٢١٤. (٤) المغني ٨/ ٢٥٦، المبدع ٥/ ٣٧٢، الإنصاف ٧/ ١٤٠، كشاف القناع ٤/ ٣١٠. (٥) المحلى لابن حزم، مرجع سابق، ٨/ ٩٨. (٦) المحلى ٨/ ٩٨، المغني ١٠/ ١١٣، الحاوي ٤/ ٥٤٥، عمدة القاري ١٣/ ١٤٢. (٧) فتح الباري، مرجع سابق، ٥/ ٢٥٣. (٨) المحلى نفسه، ٨/ ٩٨. (٩) مجموع الفتاوى ٣٠/ ٣١، ٣١/ ٢٩٤، ٢٩٧، والأخبار العلمية لابن اللحام ص ٢٦٦ - ٢٦٨، قال في الفتاوى الكبرى ٥/ ٤٣٥ و ٤٣٦: " والحديث والآثار تدل على وجوب التعديل بينهم في غير التمليك أيضاً، وهو في ماله ومنفعته التي ملكهم والذي أباحهم كالمسكن والطعام، ثم هنا نوعان: نوع يحتاجون إليه من النفقة في الصحة والمرض ونحو ذلك، فتعديله فيه أن يعطي كل واحد ما يحتاج إليه، ولا فرق بين محتاج قليل أو كثير، ونوع تشترك حاجتهم إليه من عطية أو نفقة أو تزويج، فهذا لا ريب في تحريم التفاضل فيه، وينشأ من بينهما نوع ثالث، هو أن ينفرد أحدهما بحاجة غير معتادة، مثل أن يقضي عن أحدهما ديناً وجب عليه من أرش جناية، أو يعطي عنه المهر، أو يعطيه نفقة الزوجة ونحو ذلك، ففي وجوب إعطاء الآخر مثل ذلك نظر، وتجهيز البنات بالنحل أشبه، وقد يلحق بهذا، والأشبه أن يقال في هذا إنه يكون بالمعروف، فإن زاد على المعروف فهو من باب النحل، ولو كان أحدهما محتاجاً دون الآخر أنفق عليه قدر كفايته، وأما الزيادة فمن النحل، فلو كان أحد الأولاد فاسقاً فقال والده: لا أعطيك نظير إخوتك حتى تتوب، فهذا حسن يتعين استثناؤه، وإذا امتنع من التوبة فهو الظالم، فإن تاب وجب عليه أن يعطيه، وأما إن امتنع من زيادة الدين لم يجز منعه ".