الوجه الأول: أن الجمهور يقولون به ويرون أن الحبس وسيلة من وسائل التضييق على المدين ليقضي دينه، إلا أنهم يرون أن هذه الوسيلة غير متعينة بدلالة الحديث، حيث أرشد إليها بتقرير الحل (يحل عرضه، وعقوبته) لا الإيجاب، ثم إن المصلحة قد تقتضي الحجر عليه، وبيع ماله إنصافا لغرمائه عملا بالأدلة المثبتة لهاتين الوسيلتين، فيتم العمل بالأدلة كلها.
الوجه الثاني: أن الحديث وارد في المدين الغني المماطل، والجمهور لا يقولون بالحجر عليه (١)، وكلامهم في المسألة وأدلتهم في الحجر على المدين المفلس، فيكون الحديث غير معارض لها.
٥ - أن في الحجر إهداراً لأهليته، إلحاقاً له بالبهائم، وذلك ضرر عظيم، فلا يجوز لدفع ضرر خاص (٢).
وإنما يجوز النظر لغرمائه بطريق لا يكون فيه إلحاق الضرر به إلا بقدر ما ورد الشرع به، وهو الحبس (٣)، والحبس بالدين مشروع بالإجماع (٤).
ونوقش: أنه لا يسلم أنه يؤدي إلى المساس بآدميته وإنسانيته، ولا أن فيه هدرا لأهليته إلا بالقدر الذي يحقق المصلحة في نطاق الحق، وفي نطاق الأدلة التي جاءت بإثبات الحجر عليه.
يدل على ذلك أن أهليته معتبرة في جميع التصرفات، إلا التصرفات المالية المضرة بالغرماء، وأيضا السجن نفسه - الذي يقول به أبو حنيفة - يمس حرية السجين، وإنسانيته.