ونوقش هذا الدليل: بأنه يفيد بطلان صيغ السكران في الباطن وصحتها في الظاهر؛ لأن السكران لما كان فاسقا سقطت دعواه بزوال عقله، فنفذ العقد لصحة الصيغة.
ثم إنَّ من لازم هذا الدليل التفريق بين العقود التي ينفرد بها السكران، وبين العقود التي لا ينفرد بها؛ لأن من حضر صدور الصيغة من السكران قد يشهد بسكره وزوال عقله، وأصحاب هذا الدليل لا يقولون بالفرق (١).
٦ - أن نفاذ هبة السكران من قبيل ربط الأحكام بالأسباب الذي هو خطاب الوضع (٢).
ونوقش: بأن من لازمه صحة هبة من سكر مكرها أو جاهلا بأن ما شربه خمر، وصحة هبة المجنون والنائم، والمستدل لا يقول بهذا.
ثم يقال: وهل ثبت أن صدور هبة من السكران سبب حتى يربط الحكم به؟ وهل النزاع إلا في هذا (٣)؟.
٧ - أنَّ السكرانَ مؤاخذ بسكره، فوجب أن يكون مؤاخذا بما حدث عن سكره، ومن ذلك صيغه التي يصدرها في البيع والإجارة والطلاق والهبة ونحوها، وهذا مثل سراية الجناية لما كان مؤاخذا بها كان مؤاخذاً بسراية الجناية.
ونوقش هذا الدليل: بأنَّ السكرَ ليس من فعل السكران، وإنما هو من فعل الله تعالى فيه، فكيف صار منسوباً إليه، ومؤاخذاً به؟ (٤).
(١) مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ٣٣/ ١٠٤، الحاوي ١٣/ ١٠٨. (٢) زاد المعاد ٥/ ٢١١، الأشباه والنظائر للسيوطي ص ١٤١ - ١٤٢، حاشية الجمل على شرح المنهج ٤/ ٣٢٢، صيغ العقود ص ١٨٩. (٣) زاد المعاد (٥/ ٢١٣)، حاشية الجمل على شرح المنهج (٤/ ٣٢٣). (٤) الحاوي، مرجع سابق، (١٣/ ١٠٧).