ثالثاً: تزاحم الموقوف عليهم وتعذر استيعابهم بمنفعة الوقف.
إذا تزاحم الموقوف عليهم وتعذر استغراقهم بمنفعة الوقف، فإنه يقدم الأهم فالأهم ويمنع ما عدا ذلك.
مثال ذلك: ما ذكره ابن نجيم بقوله: " إذا ضاق المسجد كان للمصلي أن يزعج القاعد من موضعه ليصلي فيه -وإن كان مشتغلاً بالذكر أو الدرس، أو قراءة القرآن، أو الاعتكاف-، وكذا لأهل المحلة أن يمنعوا من ليس منهم من الصلاة فيه إذا ضاق بهم المسجد "(١).
وكذلك قال المالكية في الدار الموقوفة على أشخاص للسكنى فسكن فيها بعضهم، فلم يجد بعضهم الآخر مسكنا فلا شيء له، ولذلك قال الإمام مالك ﵀: " من حبس على ولده داراً فسكنها بعضهم ولا يجد بعضهم سكنا فيقول الذين لم يجدوا منهم سكناً أعطوني من الكراء بحسب حقي. قال: لا أرى ذلك له، ولا أرى أن يخرج أحد لأحد، ولكن إن غاب أحد أو مات سكن فيه، وهكذا حبس ابن عمر وزيد بن ثابت لا يخرج أحد ولا يعطى من لم يجد مسكناً كراء (٢).
وعلى كل حال فإنه وإن كان قول المالكية فيه خلاف، إلا أنه يدل على أن منع الموقوف عليه من الانتفاع بالوقف بسبب التزاحم أمر ممكن دفعاً للضرر، والله أعلم.
(١) البحر الرائق ٥/ ٢٧٠. (٢) المدونة الكبرى ٦/ ١٠٦.