وأجيب: بأن صرف الغلة في عمارة الوقف الآخر إذا كان الجهة واحدة فيها تحقيق لمصلحة الموقوف عليه، وعدم مخالفة شرط الواقف.
أدلة القول الرابع:(تعمر من بيت المال، وإلا تركت حتى تهلك)
استدل أصحاب هذا القول بما يلي:
١ - عموم حديث عمر ﵁، وفيه قول الرسول ﷺ لعمر ﵁:" تصدق بأصله، لا يباع، ولا يوهب، ولا يورث، ولكن ينفق ثمره "(١).
ونوقش هذا الاستدلال: بأن هذا الحديث دل بعموم على عدم جواز بيع الوقف، ولكن هذا مشروط بعدم خرابه، وذلك بأن يكون له ثمرة، ولذلك قال الرسول ﷺ في آخر الحديث:"ولكن ينفق ثمره"، فإذا لم يكن له ثمرة يستفاد منها؛ فلا معنى لتعطيله وتركه مع إمكان تحقيق مقصود الواقف بدوام الانتفاع منه، وذلك بإبداله بعين ذات غلة ومنفعة.
٢ - أنه إذا لم يجز لهم البيع قبل الاختلال، فكذلك بعد الاختلال، كالعبد المعتق لا يجوز له بيعه بكل حال (٢).
ونوقش هذا الاستدلال من وجهين:
الوجه الأول: أنه إنما امتنع البيع قبل الاختلال لتحقق مقصود الواقف من دوام الانتفاع المؤدي إلى استمرار الثواب، وهذا المعنى غير موجود بعد الاختلال وانقطاع المنفعة.
الوجه الثاني: أن القياس على المعتق قياس مع الفارق؛ لأن العتيق بعد أن صار حراً فليس لأحد الحق في التصرف لا بعينه ولا بمنفعته إلا بإذنه، فلا تشوبه شائبة الملك بخلاف العين الموقوفة، فإنه وإن امتنع بيعها قبل
(١) تقدم تخريجه برقم (٢) وهو في الصحيحين. (٢) تحفة المحتاج ٦/ ٣٨٤، التصرف في الوقف ٢/ ٣٤٥.