فأكثر الفقهاء كما سبق تحريم وقفه؛ لأنَّه ليس مالاً شرعاً؛ لقوله تعالى: ﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ﴾ (١).
(١٥٦) لما رواه مسلم من طريق عَلْقَمة بن وائل، عن أبيه وائل الحضرمِىِّ أَنَّ طارق بن سُوَيْد الجُعْفِىَّ سأل النبى ﷺ عن الخمر؟ فنهى أو كره أن يصنعها، فقال: إنَّما أصنعها للدَّواء، فقال:«إنَّه ليس بدواءٍ ولكنَّه دَاء»(٢).
وذهب بعض الحنابلة: إلى أنه تصح هبة ما يباح الانتفاع به من النجاسات (٣).
في كشاف القناع:" (واختار جمعٌ: وكلب) أي: تصح هبته، جزم به في المغني والكافي (ونجاسة مباح نفعهما) أي: الكلب والنجاسة، جزم به الحارثي والشارح؛ لأنه تبرع أشبه الوصية به، قال في القاعدة السابعة والثمانين: وليس بين القاضي وصاحب المغني خلاف في الحقيقة؛ لأن نقل اليد في هذه الأعيان جائز كالوصية، وقد صرح به القاضي في خلافه "(٤).
وعند شيخ الإسلام ابن تيمية ﵀(٥) يجوز الانتفاع بالنجاسات كما جاء في الاختيارات: " ويجوز الانتفاع بالنجاسات، وسواء في ذلك شحم الميتة وغيره، وهو قول الشافعي وأومأ إليه أحمد في رواية ابن منصور "، فظاهرُهُ جوازُ وقفه؛ إذ إنَّ شيخَ الإسلام يتوسَّعُ في باب الوقف فيُجوِّزُ وقف المبهم، وغير المقدور على تسليمه، والمعدوم، كما وضَّحتُهُ في شروط صحَّة الوقفِ.
(١) من آية ٣ من سورة المائدة. (٢) صحيح مسلم - كتاب الأشربة/ باب تحريم التداوي بالخمر (ح ١٩٨٤). (٣) الإنصاف مع الشرح الكبير (١٧/ ٤٠). (٤) كشاف القناع ٤/ ٣٢١. (٥) الاختيارات الفقهية (١/ ٢٦).