فإذا كان النكاح كرها لا يحل كما صرحت بذلك الآية، فمعنى ذلك بطلان العقد؛ وذلك استنادا على القاعدة الأصولية (أن النهي يقتضي الفساد)(١).
٥ - أن النبي ﷺ نهى عن إجبار المرأة على النكاح بكرا كانت أو ثيبا، وألزم وليها أن يستأذنها، فإن زوجها مكرهة فنكاحها مردود، فمن هذه الأحاديث:
(٨٦) أ- ما رواه البخاري من طريق يزيد بن جارية، عن خنساء بنت خدام الأنصارية:" أن أباها زوجها وهي ثيب فكرهت ذلك، فأتت رسول الله ﷺ فرد نكاحها "(٢).
(٨٧) ب- ما رواه البخاري ومسلم من طريق أبي سلمة، عن أبي هريرة ﵁ قال: قال رسول الله ﷺ: " لا تنكح الأيم حتى تستأمر، ولا البكر حتى تستأذن " قالوا: يا رسول الله، وكيف إذنها؟ قال:" أن تسكت "(٣).
(٨٨) ٦ - ما رواه ابن ماجه من طريق الوليد بن مسلم، حدثنا الأوزاعي، عن عطاء، عن ابن عباس ﵄، عن النبي ﷺ قال:" إنَّ اللهَ وضَعَ عن أمتي الخطَأَ، والنسيانَ، وما استُكرِهوا عليه "(٤).
(أنكره أحمد، وأبو حاتم).
(١) مفتاح الوصول للتلمساني ص (٤١٨)، صيغ العقود ص ٤٠٦. (٢) صحيح البخاري - كتاب النكاح/ باب إذا زوج الرجل ابنته وهي كارهة فنكاحه مردود (٥١٣٨). (٣) صحيح البخاري - كتاب النكاح/ باب لا ينكح الأب وغيره البكر والثيب إلا برضاهما (٥١٣٦)، ومسلم في النكاح/ باب استئذان الثيب في النكاح (١٤١٩). (٤) سنن ابن ماجه - الطلاق/ باب طلاق المُكره والناسي (٢٠٤٣)، وأخرجه البيهقي ٧/ ٣٥٦ من طريق محمد بن المصفى به، وأخرجه الطحاوي في شرح معاني الآثار ٣/ ٩٥، والطبراني في الصغير ١/ ٢٧٠، وابن حبان في صحيحه (٧٢١٩)، والدارقطني ٤/ ١٧٠، والبيهقي ٧/ ٣٥٦، وابنُ عديٍّ في الكامل (٢/ ٣٤٦)، والضياء المقدسي في المختارة (١١/ ١٨٢)، وابن حزم في الإحكام ٥/ ١٤٩ من طريق الربيع بن سليمان المرادي، ثنا بشر بن بكر، عن الأوزاعي، عن عطاء، عن عبيد بن عمير، عن ابن عباس ﵄، به. وأخرجه الحاكم ٢/ ١٩٨ من طريق بحر بن نصر، عن بشر بن بكر، ومن طريق الربيع ابن سليمان، عن أيوب بن سويد، كلاهما عن الأوزاعي به، وأخرجه الطبراني في المعجم الأوسط (٦/ ١٣٧) برقم (٨٢٧٥) من طريق ابن مسلم، عن ابن جريج، عن عطاء بن أبي رباح، عن ابن عباس ﵄، وابن جريج ثقةٌ يُدلِّسُ ويُرسل، كما في التقريب (٤١٩٣)، وقد عنعَن، وفيه الوليد بن مسلم ثقةٌ كثيرُ التَّدليس والتَّسوية، كما في التقريب (٧٤٥٦) وقد عنعَن، وأخرجه ابنُ أبي شيبة في المصنف (٥/ ٢٢٠) من طريق يحيى بن سُليم، عن ابن جريج، عن عطاء بن أبي رباح قال: بلغني أنَّ رسول الله ﷺ قال، وقال ابن رجب في جامع العلوم والحكم (٢/ ٣٦٢): " وهذا المُرسل أشبه". وأخرجه الطبراني المعجم الأوسط (١/ ٥٨١) برقم (٢١٣٧)، وابن عدي في الكامل (٥/ ١٩٢٠) من طريق محمد بن موسى الحرشي، قال: نا عبد الرحيم بن زيد العمي، عن أبيه، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس ﵄، قال ابن عدي في الكامل: " مُنكر "، وقال ابن رجب في جامع العلوم والحكم (٢/ ٣٦٣): " وعبد الرحيم هذا ضعيف ". وأخرجه الطبراني في المعجم الكبير (١١/ ١٣٣) برقم (١١٢٧٤) من طريق مسلم بن خالد الزنجي، حدثني سعيد هو العلاَّف، عن ابن عباس ﵄، قال ابن رجب في جامع العلوم والحكم (٢/ ٣٦٢): " وسعيد العلاف هو سعيد بن أبي صالح، قال أحمد: هو مكي، قيل له: كيف حاله؟ قال: لا أدري! وما علمت أحداً روى عنه غير مسلم بن خالد، قال أحمد: وليس هذا مرفوعاً، إنما هو عن ابن عباس ﵁ قوله، نقل ذلك عنه مهنَّا، ومُسلم بن خالد ضعَّفوه ". وأخرجه ابن عدي في الكامل (٢/ ٥٠٨) من طريق: بقيَّة، ثنا عبيد -رجل من همدان-، عن قتادة، عن أبي حمزة، عن ابن عباس ﵄. قال ابن رجب في جامع العلوم والحكم (٢/ ٣٦٣): " ورويَ من رواية بقيَّة بن الوليد، عن علي الهمداني، عن أبي حمزة، عن ابن عبَّاس ﵁ مرفوعاً خرَّجه حربٌ، وروايةُ بقيَّة عن مشايخه المجاهيل لا تساوي شيئاً ". وللحديث شواهد: منها: حديث أبي ذر، وعقبة بن عامر، وابن عمر، وثوبان، وأبي الدرداء، وأم الدرداء ﵃، وهي ضعيفة. الحكم على الحديث: الحديث صحَّحه طائفةٌ من أهل العلم، منهم ابن حبان، حيث أخرجه في صحيحه، والحاكم، وحسَّنه النَّوويُّ في الأربعين رقم (٣٩)، قال ابن عدي بعدما ساق طُرُقَه عن الأوزاعي: " والحديث هو هذا ما رويته من حديث الوليد بن مسلم، وبشر بن بكر، لا ما رواه أبو الإشنان - وهو لقب للحسن بن علي -، عن عبد الله بن يزيد، عن الأوزاعي، وعبد الله بن يزيد هذا أرجو أنه لا بأس به، وقد حدَّثَ عنه جماعةٌ من الثقات، مثل: أبي حاتم الرازي، ويزيد بن عبد الصمد الدمشقي، والبلاء من أبي الإشنان لا منه ". قال ابن حزم: " وقد صحَّ عن رسول الله ﷺ … " ثم ذكره … قال ابنُ رجب في جامع العلوم والحكم (٢/ ٣٦١): " وهذا إسناد صحيح في ظاهر الأمر، ورواته كلهم محتج بهم في الصحيحين، وقد خرَّجه الحاكم وقال: " صحيح على شرطهما "، كذا قال، ولكن له علَّة، وقد أنكره الإمام أحمد جدَّاً، وقال: " ليس يُروى فيه إلا عن الحسن عن النبي ﷺ مرسلاً .. ، وقال أبو حاتم: " هذه أحاديث منكرة، كأنها موضوعة، وقال: لم يسمع الأوزاعي هذا الحديث من عطاء، وإنما سمعه من رجلٍ لم يُسَمِّهِ، أَتَوهَّمُ أنه عبد الله بن عامر، أو إسماعيل بن مسلم، قال: ولا يصح هذا الحديث، ولا يثبت إسناده ". وقد أنكر الحديث: الإمامان أحمد وأبو حاتم - وقد مضى توثيق كلامِهِما، وقد نقَلَ ابن رجب في جامع العلوم والحكم (٢/ ٣٦٥)، وابن حجر في التلخيص (١/ ٢٨٢) عن محمد بن نصر المروزي ﵀ قوله: " ليس لهذا الحديث إسنادٌ يُحتجُّ بمثله "، لكن يُغني عنه ما جاء في صحيح مسلم بمعنى هذا الحديث عن أبي هريرة وابن عباس ﵃. قال البوصيري في مصباح الزجاجة ٢/ ١٣٠: " هذا إسناد صحيح إن سلم من الانقطاع، والظاهر أنه منقطع " قال المزي في الأطراف ٥/ ٨٥: " رواه بشر بن بكر التنيسي عن الأوزاعي، عن عطاء عن عبيد بن عمير، عن ابن عباس ﵄ "، قال البوصيري: "وليس ببعيد أن يكون السقط من صنعة الوليد بن مسلم، فإنه كان يدلس تدليس التسوية ".