وأجيب عن هذه المناقشة: بأنه قد جاء في بعض الروايات التصريح بالتماس غرماء معاذ الحجر عليه (١) وبيع ماله من قبل رسول الله ﷺ، فلا يقال بعد ذلك أن بيع ماله كان بسؤاله هو (٢).
ثم إذا كان بيع المال بطلبه هو فما معنى النص على الحجر عليه في الحديث، وهل يكون الحجر عليه أيضا بطلبه هو؟ هذا لا يمكن.
(٨٠) ٢ - ما رواه مسلم من طريق عياض بن عبد الله، عن أبي سعيد الخدري ﵁ قال: أصيب رجل في عهد رسول الله ﷺ في ثمار ابتاعها فكثر دينه، فقال رسول الله ﷺ:(تصدقوا عليه) فتصدق الناس عليه، ولم يبلغ ذلك وفاء دينه، فقال رسول الله ﷺ لغرمائه:"خذوا ما وجدتم، وليس لكم إلا ذلك "(٣)(٤).
وجه الدلالة: أن النبي ﷺ لم يزد على خلع ماله لهم، ولم يحبسه (٥)، وهذا التصرف من النبي ﷺ في مال الرجل لا يتحقق إلا بالحجر عليه، بل إن بيع المال على المدين نوع من الحجر، وعليه فلا تصح هبته.
٣ - ما رواه الإمام مالك عن عمر بن عبد الرحمن بن دلاف المزني، عن أبيه:" أنَّ رجلاً من جهينة كان يسبق الحاج، فيشتري الرواحل فيغلي بها، ثم يسرع السير فيسبق الحاج فأفلس فرفع أمره إلى عمر بن الخطاب، فقال: " أما بعد: أيها الناس، فإن الأسيفع أسيفع جهينة رضي من دينه وأمانته بأن
(١) كما في رواية أبي داود المطولة -في المراسيل- التي تقدمت الإشارة إليها؛ أما ما رواه الدارقطني أن معاذ أتى رسول الله ﷺ فكلمه ليكلم غرماءه، فلا حجة فيه أن ذلك لالتماس الحجر، وإنما فيه طلب معاذ الرفق به من غرمائه بشفاعة رسول الله ﷺ التلخيص الحبير لابن حجر (٣/ ٣٩)، وانظر: نيل الأوطار للشوكاني (٥/ ٢٤٥). (٢) التلخيص الحبير لابن حجر (٢/ ٣٩)، نيل الأوطار (٥/ ٢٤٥). (٣) صحيح مسلم في المساقاة/ باب استحباب الوضع من الدين (١٥٥٦). (٤) الذخيرة للقرافي (٨/ ١٥٧)، بداية المجتهد (٢/ ٤٦٢)، الروضة الندية (٢/ ٣٤٤). (٥) الذخيرة للقرافي، مرجع سابق، (٨/ ١٥٧).