إلى ملإ بني النجار فجاءوا، فقال:"يا بني النجار ثامنوني حائطكم هذا» فقالوا: لا والله، لا نطلب ثمنه إلا إلى الله"(١).
أما أول وقف خيري في الإسلام فقد اختلف المسلمون فيه:
فقيل: إن أول صدقة في الإسلام هي صدقة رسول الله ﷺ حين وقف الحوائط (٢) السبعة بالمدينة التي كانت لرجل يهودي اسمه مخيريق، وكان محباً ودوداً للنبي ﷺ وقاتل مع المسلمين يوم أحد، وأوصى إن أصبت أي قتلت فأموالي لمحمد يضعها حيث أراه الله تعالى، وقد قتل يوم أحد وهو على يهوديته، فقال النبي ﷺ:" مخيريق خير يهود "، وقبض النبي ﷺ تلك الحوائط السبعة فتصدق بها أي وقفها (٣).
(٣٢) روى الواقدي: " كان مخيريق اليهودي من أحبار اليهود، فقال يوم السبت، ورسول الله ﷺ بأحد: يا معشر اليهود إنكم لتعلمون أن محمداً نبي، وأن نصره عليكم لحق، قالوا: إن اليوم يوم السبت. قال: لا سبت، ثم أخذ سلاحه، ثم حضر مع النبي ﷺ فأصابه القتل. فقال رسول الله ﷺ: مخيريق خير يهود، وقد كان مخيريق حين خرج إلى أحد، قال: إن أصبت فأموالي لمحمد يضعها حيث أراه الله "(٤) فهي عامة صدقات رسول الله ﷺ.
(١) تقدم تخريجه برقم (١٥). (٢) الحوائط: جمع حائط، وهو الحديقة أو البستان. ينظر: القاموس المحيط ٢/ ٣٥٥. (٣) انظر: أحكام الأوقاف للخصاف ص ١ - ٤، نيل الأوطار ٦/ ٢٦. قصة مخيريق هذه أخرجها الواقدي في مغازيه، والخصاف في كتابه أحكام الأوقاف من عدة طرق في بعضها الواقدي، وأخرج البيهقي في السنن الكبرى ٦/ ١٦ عن عائشة ﵂ أن رسول الله ﷺ "جعل سبع حيطان له بالمدينة صدقة على بني المطلب وبني هاشم "، ولم يذكر أنها كانت لمخيريق، وتقدم قريبا. (٤) مغازي الواقدي ١/ ٢٦٢، والواقدي متروك. وأخرجه ابن سعد في الطبقات ١/ ٥٠١، ومن طريقه ابن عساكر في تاريخ دمشق ١٠/ ٢٢٩ عن محمد بن عمر (وهو الواقدي) حدثني محمد بن بشر بن حميد، عن أبيه قال: سمعت عمر بن عبد العزيز يقول في خلافته: سمعت بالمدينة والناس يومئذ بها كثير من مشيخة المهاجرين، والأنصار: (إن حوائط النبي ﷺ يعني السبعة التي أوقف من أموال مخيريق، وقال: إن أصبت فأموالي لمحمد يضعها حيث أراه الله ". ضعيف جداً؛ فيه علل منها: أن الواقدي متهم بالكذب. ومنها أنه معضل. وأخرجه ابن شبة في أخبار المدينة ١/ ١٦٩ قال: حدثنا محمد بن يحيى، ثنا عبد العزيز ابن عمران، عن عبد الله بن جعفر بن المسور، عن أبي عون، عن ابن شهاب قال: " كانت صدقات رسول الله ﷺ أموالا لمخيريق، وأوصى مخيريق بأمواله للنبي ﷺ .... ". وهذا مرسل، ومراسيل الزهري من أضعف المراسيل. وأخرجه الطبري في تاريخه ٣/ ٢٦٠، قال حدثنا ابن حميد، ثنا سلمة، حدثنا محمد بن إسحاق، عن عاصم بن عمر بن قتادة ..... به نحوه، وهذا معلول فإنه معضل، وقد جاء من عدة طرق، ولا يصح منها شيء البتة. وقد ذكره ابن هشام في السيرة ٢/ ١٤٠، وأبو نعيم في دلائل النبوة ١/ ٩٠ عن ابن إسحاق، وله غير ذلك من الطرق المنكرة والمنقطعة. وقال ابن رجب في فتح الباري ٣/ ٢٩٩ عقب ذكره لهذا الخبر، وروى ابن سعد ذلك بأسانيد متعددة وفيها ضعف ".