الوليد فغل رجل من المسلمين مائة دينار رومية، فلما انصرف الناس قافلين فندم الرجل فأتى عبد الرحمن بن خالد، فقال: إني غللت مائة دينار فاقبضها مني، قال: قد افترق الناس فلن أقبضها منك حتى تأتي الله بها يوم القيامة، فدخل على معاوية، فذكر له أمرها، فقال معاوية مثل ذلك، فمر بعبد الله بن الشاعر السكسكي وهو يبكي، فقال: ما يبكيك؟ قال: كان من أمري كذا وكذا فإنا الله وإنا إليه راجعون، قال: مطيعي أنت؟ قال: نعم. قال: ارجع إلى معاوية فقل له: اقبض مني خمسك، فادفع إليه عشرين دينارا، وانظر إلى الثمانين الباقية فتصدق بها عن ذلك الجيش، فإن الله يقبل التوبة، والله أعلم بأسمائهم ومكانهم، ففعل ذلك الرجل، فبلغت معاوية، فقال: أحسن، لأن أكوت أفتيته بها أحب إلي من كل شيء أملكه (١).
وقال الحسن البصري والزهري فيمن غل: يتصدق به (٢).
وقال مالك (٣) في الوديعة يغيب صاحبها ولا يعرف له [موضع](٤) ولا يعرف له ورثة إذا طال زمانه وأيس منه: تصدق بها عنه.
قال أبو بكر: ولأهل العلم في هذه المسألة قولان آخران، أحدهما: أن من استودع مالا فذهب صاحبه لا يدرى من هو، رفع إلى بيت المال.
روينا هذا القول عن: عطاء بن أبي رباح.
(١) أخرجه ابن عساكر في "تاريخ دمشق" (٢٩/ ١٣٨) في ترجمة: عبد الله بن الشاعر السكسكي، من طريق صفوان بن عمرو، نا حوشب بن سيف من قوله. (٢) انظر: "مصنف عبد الرزاق" (٥/ ٢٤٦ - ٢٤٧)، و "سنن سعيد" (٢٧٣٤). (٣) "المدونة الكبرى" (٤/ ٤٤٥ - فيمن استودع رجلًا وديعة فغاب). (٤) في "الأصل": موضعًا. والمثبت الجادة.