للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

إذن يمكن الاعتداد بقديم الشافعي في حالتين اثنتين، وهما:

الحالة الأولى: إذا لم يخالفه الشافعي في الجديد، أو لم يتعرض لتلك المسألة أصلاً بالنفي أو الإثبات.

الحالة الثانية: إذا وافق القديم نص حديث صحيح صريح لا معارض له.

وهذه الحالة الثانية تحتاج إلى شيء من التفصيل والبيان؛ فإنه من المشهور عن الشافعي والثابت عنه قطعا أنه قال: «إذا صح الحديث فهو مذهبي»، وهذا القول قد رُوي عنه بألفاظ مختلفة وبروايات عدة، ومن ذلك ما رواه ابن أبي حاتم قال: حدثنا أبي قال: سمعت حرملة يقول: قال الشافعي: «كل ما قلتُ، فكان عن النبي خلاف قولي مما يصح، فحديث النبي أولى ولا تقلدوني». وقال الأصم: سمعتُ الربيع يقول: سمعت الشافعي يقول: «إذا وجدتم في كتابي خلاف سنة رسول الله ، فقولوا بها، ودعوا قولي». وقال أيضًا: «كل مسألة تكلمت فيها صح الخبر فيها عن النبي عند أهل النقل بخلاف ما قلت، فأنا راجع عنها في حياتي، وبعد موتي».

ومُؤدَّى هذه الأقوال، أنه إذا وُجِدَ حديث صحيح يخالف قول الشافعي فهو راجع عن قوله وقائل بالحديث، سواء كان ذلك في حياته أم بعد موته. وهذا الأمر جَعَل بعض الشافعية إذا رأى حديثا صحيحًا يخالف قول الشافعي، قال: ومذهب الشافعي كذا، على موجب الحديث.

وهذا الأمر ليس في مقدور كل فقيه؛ فإنه قد يصح الحديث على خلاف قول الشافعي، لكن الشافعي يكون قد بلغه هذا الحديث بعينه، وكان له فيه تأويل معين، أو عارضه - عنده - حديث أقوى منه سندا، أو أصرح منه دلالةً، أو يكون له مُقيّد أو مُخصص، أو يكون معارضًا لقواعد الشريعة المقطوع بها أو غير ذلك من الأمور، فيترك العمل بهذا الحديث ولا يقول به. ومن ثم فلا يجوز لأحد إذا وجد حديثا على خلاف قول الشافعي أن يقول: هذا قول الشافعي، إلا بعد البحث التام والاستقصاء في كتب الشافعي نفسه وكتب أصحابه، هل بلغه هذا الحديث أم لا؟ وإذا كان بلغه، فما هي الأسباب التي جعلته يترك العمل به، ثم

<<  <  ج:
ص:  >  >>