النوع الأول: وهو أن يكون في المسألة قولان: قديم، وجديد، وليس في هذا النوع إشكال؛ إذ الجديد هو المعمول به والمعتمد، وتكون عليه الفتوى في المذهب، إلا في مسائل يسيرة - نحو عشرين مسألة - أفتي فيها بالقديم، كما بَيَّنْتُ ذلك سابقا.
النوع الثاني: وهو أن يكون في المسألة قولان جديدان، وهذا النوع - حقيقةً - هو الذي يتطلب جهدًا في بيان معرفة ما هو القول المعتمد من القولين؟ وعلى أي القولين تكون الفتوى في المذهب؟ وأي القولين يمكن أن يقال: هذا هو قول الشافعي؟.
وضع علماء الشافعية - وما أكثرهم - قواعد وضوابط لمعرفة المعتمد من هذه الأقوال. ويكن بيان هذه الضوابط أو القواعد في الأمور الآتية:
١ - أنه يُعتمد آخر القولين - وذلك بالطبع - إذا كان تاريخهما معروفًا أو عرف القول الآخر منهما.
٢ - ما رجحه الشافعي نفسه.
٣ - فإن لم يرجح الشافعي ﵀ أحد القولين، بل نص عليهما فقط - ولم يُعلم أقالهما مُرَتَّبَيْنِ أو قالهما في وقت واحد - فلا يجوز حينئذ أن يعمل بأي القولين كيفما جاء واتفق، بل يجب البحث عن الراجح من هذين القولين.
وحتى يعلم الراجح من هذين القولين يُنظر:
(أ) أي القولين أقرب إلى نصوص الشافعي وقواعد مذهبه، فيُعمل به. وهذا - بالطبع - لا يكون إلا لمجتهد في المذهب له أهلية النظر في ذلك، أما غير المتأهل لذلك فعليه أن يَنْظُر ما قاله أئمة المذهب في الراجح من القولين.
(ب) أنه يُنظر إلى عمل الشافعي ﵀ فإن كان عَمِلَ على وفق أحد هذين القولين، فهل يكون ذلك إبطالًا للقول الآخر، ويكون ترجيحًا للقول المعمول على وفقه؟. عند المزني ﵀ يكون عَمَلُ الشافعي على وفق أحد القولين إبطالاً للقول الآخر، وقال غيره من الشافعية: لا يكون ذلك إبطالاً له،