"فصل: الإحداد" من أحد ويقال الحداد من حد لغة المنع واصطلاحا "ترك الزينة" من المتوفى عنها في عدة الوفاة "بالثياب والطيب والحلي" وما في معناها مما يأتي لخبر الصحيحين عن أم عطية كنا "ننهى أن نحد على ميت فوق ثلاث إلا على زوج أربعة أشهر وعشرا (١) وأن نكتحل وأن نتطيب، وأن نلبس ثوبا مصبوغا"(٢). وخبر أبي داود بإسناد حسن:"المتوفى عنها لا تلبس المعصفر من الثياب ولا الممشقة ولا الحلي ولا تختضب ولا تكتحل"(٣) والممشقة المصبوغة بالمشق بكسر الميم، وهو المغرة بفتحها ويقال طين أحمر يشبهها. وأما خبر:"لا تلبس ثوبا مصبوغا إلا ثوب عصب"(٤)، وهو ضرب من برود اليمين يعصب غزله أي يجمع ثم يشد ثم يصبغ معصوبا ثم ينسخ فمعارض برواية ولا ثوب عصب أو مؤول بالصبغ الذي لا يحرم كالأسود "فلها لبس غير المصبوغ (٥) " من قطن وصوف ووبر وشعر وغيرها "ولو حريرا" ونفيسا؛ لأن نفاسته من أصل الخلقة لا
(١) "قوله: إلا على زوج أربعة أشهر وعشرا" لعل المقتضي لهذا التقدير أن الجنين في غالب الأمر يتحرك لثلاثة أشهر إن كان ذكرا ولأربعة إن كان أنثى، واعتبر أقصى الأجلين وزيد عليه استظهارا إذ ربما تضعف حركته في المبادي فلا تحس بها. (٢) رواه البخاري، كتاب الحيض، باب الطيب للمرأة عند غسلها من الحيض، حديث "٣١٣"، ومسلم، كتاب الطلاق، باب وجوب الإحداد حديث "٩٣٨". (٣) صحيح: رواه أبو داود "٢/ ٢٩٢" كتاب الطلاق، باب فيما تجتنبه المعتدة في عدتها، حديث "٢٣٠٤" والنسائي "٦/ ٢٠٣"، حديث "٣٥٣٥"، وأحمد في مسنده "٦/ ٣٠٢" حديث "٢٦٦٢٣". (٤) رواه البخاري، كتاب الحيض، باب الطيب للمرأة عند غسلها من الحيض، حديث "٣١٣"، ومسلم، كتاب الطلاق، باب وجوب الإحداد، حديث "٩٣٨". (٥) "قوله: فلها لبس غير المصبوغ إلخ" قال الأذرعي: الذي يقتضيه النظر أنه إن كان المراد بغير المصبوغ من الإبريسم ما نسج على هيئته من غير إحداث تحسين فيه أصلا فالظاهر مذهبا ودليلا جوازه ويجوز حمل ظاهر النص، وكلام العراقيين عليه، وإن كان المراد أعم من ذلك كيف صنع ففيه نظر فإن الزينة فيما بيض من أبيضه وحسن من أصفره، وأحمره وصقل بعد نسجه ظاهرة بل هو أحسن، وأزين من كثير من المصبغات، ويبعد أن يحرم المصبوغ البراق من القطن، والصوف والكتان، وإن خشن ولا يحرم الأصفر، والأحمر الخلقي مع صفائهما وشدة بريقهما وزيادة الزينة فيهما على المصبوغ من غير الحرير، وما أحسن قول الشيخ إبراهيم المروذي في تعليقه آخر الباب وعقد الباب أن كل ما فيه زينة تشوق الرجال به إلى نفسها تمنع منه.