"الطرف الثاني: في مستند قضائه، وهو الحجة وإقراره" أي المدعى عليه بالمدعي "في مجلس حكمه وكذا علمه (١) " أي القاضي بصدق المدعي "ولو في قصاص وحد قذف (٢) " سواء أعلمه في زمن ولايته ومكانها أم في غيرهما وسواء أكان في الواقعة بينة أم لا; لأنه يقضي بالبينة، وهي إنما تفيد ظنا فبالعلم أولى لكنه مكروه كما أشار إليه الشافعي في الأم فلو رام البينة نفيا للريبة كان أحسن قاله الغزالي في خلاصته. قال الزركشي وليس لنا من الحجج ما لا يلزم معه الحكم إلا هذا وذكر الماوردي والروياني أنه لا ينفذ إلا مع التصريح (٣) بأن مستنده علمه بذلك فيقول قد علمت أن له عليك ما ادعاه وحكمت عليك بعلمي فإن اقتصر على أحدهما لم ينفذ الحكم (٤)"لا" في "حد" وتعزير (٥)"لله" تعالى لندب الستر في أسبابها قال الأذرعي وإذا نفذنا أحكام القاضي الفاسق للضرورة
(١) "قوله وكذا علمه" شمل ما إذا كان مستند علمه التواتر وكتب أيضا قال البلقيني في القواعد لابن عبد السلام أن القاضي يقضي بالتواتر لانتفاء التهمة ونازعته في التواتر الخاص; لأن طريق الحكم البينة أو الإقرار ولم يوجد واحد منهما فهو على الخلاف في القضاء بالعلم أو ينقص عنه ا هـ قال الشيخ عماد الدين الحسباني الأشبه أن كل ما تسوغ الشهادة به يجوز القضاء به بل باب القضاء أوسع من باب الشهادة; ولهذا يجوز أن يحكم بقول عدلين ولا يجوز للشاهد أن يشهد بما سمعه من عدلين فمتى تحقق الحاكم طريقا تسوغ الشهادة للشاهد بها جاز له الحكم بها فلو علم من مكلف أنه أسلم ثم أظهر الردة قضى بعلمه بالإسلام ورتب عليه أحكامه (٢) "قوله وحد قذف" وإعسار (٣) "قوله وذكر الماوردي أنه لا ينفذ إلا مع التصريح" وهو الصحيح. (٤) "قوله فإن اقتصر على أحدهما لم ينفذ الحكم" قال البلقيني: وله وجه في النظر ويحتمل أن لا يحتاج إليه وشرط ابن عبد السلام كون الحاكم به ظاهر التقوى والورع قال الزركشي ولا بد منه وقال المصنف في شرح إرشاده ولا بد أن يقول القاضي قد علمت وحكمت بعلمي ا هـ واستغربه ابن أبي الدم، وهو كما قال ع. (٥) "قوله لا في حد وتعزير فيه" يستثنى منه ما إذا صدر منه ذلك في مجلس الحكم على رءوس الأشهاد كالردة وشرب الخمر والزنا قال البلقيني: ولم يتعرضوا له قال وكذا إذا اعترف في مجلس الحكم بما يوجب الحد ولم يرجع عن إقراره فإنه يقضي فيه بعلمه ولو اعترف سرا لقوله ﷺ "فإن اعترفت فارجمها" ولم يقيده بأن يكون بحضور الناس قال ويستثنى منه أيضا ما إذا علم القاضي من مكلف أنه أسلم ثم أظهر الردة فقد أفتيت فيه بأن القاضي يقضي بعلمه بالإسلام ويرتب عليه أحكامه وجرى عليه الزركشي والدميري فقالا يقضي بعلمه فيما يظهر ا هـ. وهو ظاهر أن ترتب أحكام الردة عليه إنما وقع ضمنا لا قصدا