"باب دخول مكة"(١) وما يتعلق به يقال مكة بالميم وبكة بالباء لغتان وقيل بالميم اسم للحرم كله، وبالباء اسم للمسجد، وقيل بالميم للبلد وبالباء للبيت مع المطاف وقيل بدونه "يستحب للمحرم" بالحج "أن يدخل مكة قبل الوقوف" بعرفة كما فعل ﷺ وأصحابه ولكثرة ما يحصل له من السنن الآتية وأن يدخلها "من ثنية كداء" بفتح الكاف والمد والتنوين، والثنية الطريق الضيق بين الجبلين "من أعلى مكة" يعني ثنية كداء موضع بأعلى مكة ويستحب أن يدخل منها "ولو لم تكن في طريقه" لما قاله الجويني أنه ﷺ عرج إليها قصدا، وهذا ما صححه النووي وصوبه (٢) وحكى الرافعي عن الأصحاب تخصيصه بالآتي من طريق المدينة للمشقة وأن دخوله ﷺ منها كان اتفاقا، وهو الموافق لما سيأتي في الغسل بذي طوى. قال الإسنوي: ولعل الفرق على الأول أن ما ذكر في كداء
(١) "باب دخول مكة نهارا أو ليلا"، وقد دخلها ﷺ ليلا في عمرة الجعرانة كما رواه أصحاب السنن الثلاثة، ولا نعلم دخولها ليلا في غيرها وفي مسلم ومن طريق أيوب عن نافع لفظه كان لا يقدم مكة إلا بات بذي طوى حتى يصبح ويغتسل ثم يدخل مكة نهارا وكتب أيضا مكة أفضل الأرض عندنا خلافا لمالك في تفضيله المدينة، دليلنا على أفضلية مكة ما رواه الترمذي والنسائي وقال حسن صحيح إنه ﷺ قال، وهو واقف على راحلته في سوق مكة: "والله إنك لخير الأرض وأحب أرض الله إلي ولو أني أخرجت منك ما خرجت" ومحل التفاضل بين مكة والمدينة في غير موضع قبر النبي ﷺ أما هو فأفضل بالإجماع كما نقله القاضي عياض قال ابن قاضي شهبة قال شيخي ووالدي وقياسه أن يقال إن الكعبة المشرفة أفضل من سائر بقاع المدينة قطعا ما عدا موضع قبره الشريف وبيت خديجة الذي بمكة أفضل موضع منها بعد المسجد الحرام قاله المحب الطبري وقال النووي في إيضاحه المختار استحباب المجاورة بمكة إلا أن يغلب على ظنه الوقوع في الأمور المحذورة وقوله، وأما هو فأفضل بالإجماع قال شيخنا وأفضل من السموات السبع ومن العرش والكرسي ومن الجنة فإن قيل يرد على ذلك أنه ﵊ ينقل من أفضل لمفضول، والجواب أنه خلق من تلك التربة فلو كان ثم أفضل منها لخلق من ذلك كما قيل إن صدره ﵊ لما شق غسل بماء زمزم فلو كان ثم أفضل منه لغسل بذلك الأفضل على أنه ورد "ما بين قبري ومنبري روضة من رياض الجنة" فإن حمل ذلك على أنها من الجنة حقيقة زال الإشكال ويكون المراد بالبينية ما بين ابتداء قبري أي ومن آخره ومنبري حتى يكون القبر داخلا في الروضة. (٢) "قوله: وهذا ما صححه النووي وصوبه" قال السبكي والأذرعي، وهو الحق.