تطلق الجزية على العقد وعلى المال الملتزم به، وهي مأخوذة من المجازاة لكفنا عنهم وقيل من الجزاء بمعنى القضاء قال تعالى ﴿وَاتَّقُوا يَوْماً لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً﴾ [البقرة: ٤٨] أي لا تقضي ويقال جزيت ديني أي قضيته وجمعها جزى كقرية وقرى والعقود التي تفيد الكافر الأمن ثلاثة: أمان وهدنة وجزية; لأن التأمين إن تعلق بمحصور فهو الأمان وقد تقدم أو بغير محصور كأهل إقليم أو بلد فإن كان إلى غاية فهو الهدنة وستأتي أولا إلى غاية فهو الجزية وهما مختصان بالإمام بخلاف الأمان كما مر وقضيته أن تأمين الإمام غير محصورين لا يسمى أمانا، وإن الجزية لا تصح في محصورين وليس مرادا والأصل في الجزية قبل الإجماع قوله تعالى ﴿قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ﴾ [التوبة: ٢٩] إلى قوله ﴿حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ﴾ [التوبة: ٢٩] وقد أخذ النبي ﷺ الجزية من مجوس هجر كما رواه البخاري (١) ومن أهل نجران كما رواه أبو داود (٢) ومن أهل أيلة كما رواه البيهقي (٣) وقال: إنه منقطع والمعنى في ذلك أن في أخذها معونة لنا وإهانة لهم وربما يحملهم ذلك على الإسلام.
"وفيه طرفان الأول في أركانها، وهي خمسة" عاقد وصيغة ومعقود له ومكان ومال معقود عليه "الأول العاقد، وهو الإمام أو نائبه (٤) وعليه الإجابة" لهم "إن طلبوا" عقدها "وأمن مكرهم" سواء أرأى فيها مصلحة أم لا لقوله تعالى ﴿حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ﴾ [التوبة: ٢٩] وللأمر به في خبر مسلم (٥) بخلاف
(١) رواه البخاري كتاب الجزية باب الجزية والمواعيد مع أهل الحرب، حديث "٣١٥٧". (٢) ضعيف رواه أبو داود "٣/ ١٦٧" كتاب الخراج والإمارة والفيء، باب في أخذ الجزية حديث "٣٠٤١". (٣) رواه البيهقي في الكبرى "٩/ ١٨٥" حديث "١٨٤١٧". (٤) "قوله: وهو الإمام أو نائبه"; لأنه من المصالح العظام فاختص بمن له النظر العام; ولأن الولاية في المال المستفاد بهذا العقد للإمام أو نائبه فوجب أن تكون ولاية العقد لهما كالعقد على مال اليتيم. (٥) صحيح، سبق تخريجه.