للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

"كتاب عقد الهدنة"

"وتسمى الموادعة والمعاهدة" والمسالمة والمهادنة لغة المصالحة وشرعا مصالحة أهل الحرب على ترك القتال مدة معينة بعوض أو غيره، وهي مشتقة من الهدون، وهو السكون تقول هدنت الرجل وأهدنته إذا سكنته وهدن هو سكن والأصل فيها قبل الإجماع قوله تعالى ﴿بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ﴾ [التوبة: ١] الآية وقوله ﴿وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا﴾ [الأنفال: ٦١] الآية ومهادنته قريشا عام الحديبية كما رواه الشيخان، وهي جائزة لا واجبة.

"وفيه طرفان الأول في شروطها فيشترط" لها أربعة شروط "أن يتولاها الإمام أو نائبه" إن كانت للكفار مطلقا أو لأهل إقليم كالهند والروم; لأنها من الأمور العظام لما فيها من ترك الجهاد على الإطلاق أو في جهة ولما فيها من الأخطار; ولأنه لا بد فيها من رعاية مصلحتنا فاللائق تفويضها للإمام أو نائبه "وللوالي" بإقليم "مهادنة بعض من في ولايته" (١) لتفويض مصلحة الإقليم إليه (٢) وقضية كلامه كأصله أنه لا يهادن جميع أهل الإقليم وبه صرح الفوراني لكن صرح العمراني بأن له ذلك (٣) "فإن عقد" ها "غيره" أي غير من ذكر فدخل قوم ممن هادنهم دارنا لم قدرت لكن "بلغوا المأمن"; لأنهم دخلوا على اعتقاد صحة أمانه "وأن يكون للمسلمين فيها مصلحة" كقلتهم أو قلة مالهم أو توقع إسلامهم باختلاطهم بهم أو الطمع في قبولهم الجزية بلا قتال، وإنفاق مال فإن لم يكن لهم فيها مصلحة لم يهادنوا بل يقاتلوا إلى أن يسلموا أو يبذلوا الجزية إن كانوا من أهلها قال تعالى ﴿فَلا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ﴾ [آل عمران: ٣٥].


(١) "قوله وللوالي مهادنة بعض من في ولايته" قال البلقيني ويرد عليه ما لو لم تكن في إقليمه ولكن مجاورة له ورأى المصلحة لأهل إقليمه في الهدنة معها; لأنه من مصالح إقليمه وقال أيضا ينبغي على مقتضى ما قالوه أن لا يختص ذلك بوالي إقليم بل من ولاه الإمام القيام بمصالح بلدة مجاورة للعدو جازت له الهدنة; لأنه فوض إليه مصلحة بلده، وهذا منها.
(٢) "قوله لتفويض مصلحة الإقليم إليه"، وهذا التعليل يقتضي أن له فعله بغير إذن الإمام.
(٣) "قوله لكن صرح العمراني بأن له ذلك"، وهو الأوجه ش بل الأصح إذ علته وجود المصلحة.