بعد ذلك يمكنه أن ينسب للشافعي ما يدل عليه هذا الحديث.
من أجل هذا، قال الإمام النووي مُعَقِّبًا على قول الشافعي: إذا صح الحديث فهو مذهبي، قال:« .. وكان جماعة من متقدمي أصحابنا إذا رأوا مسألة فيها حديث - ومذهب الشافعي خلافه - عملوا بالحديث، وأفتوا به قائلين: مذهب الشافعي ما وافق الحديث، ولم يتفق ذلك إلا نادرا، ومنه ما نقل عن الشافعي فيه قول على وفق الحديث».
وهذا الذي قاله الشافعي ليس معناه أن كل أحد رأى حديثا صحيحًا قال: هذا مذهب الشافعي، وعمل بظاهره. وإنما هذا فيمن له رتبة الاجتهاد في المذهب - على ما تقدم من صفته أو قريب منه - وشرطه: أن يغلب على ظنه أن الشافعي ﵀ لم يقف على هذا الحديث أو لم يعلم صحته. وهذا إنما يكون بعد مطالعة كتب الشافعي كلها، ونحوها من كتب أصحابه الآخذين عنه وما أشبهها وهذا شرط صَعْبٌ قَلَّ مَنْ يَنْصِفُ به، وإنما اشترطوا ما ذكرنا؛ لأن الشافعي ﵀ ترك العمل بظاهر أحاديث كثيرة، رآها وعلمها، لكن قام الدليل عنده على طعن فيها، أو نسخها، أو تخصيصها، أو تأويلها، أو نحو ذلك.
قال الشيخ أبو عمرو ﵀:«ليس ما قال الشافعي بالهين فليس كل فقيه يسوغ له أن يستقل بالعمل بما يراه حجةً من الحديث، وفيمن سلك هذا المسلك من الشافعيين من عمل بحديث تركه الشافعي ﵀ عمدا مع علمه بصحته؛ لمانع اطلع عليه وخفي على غيره، كأبي الوليد موسى بن أبي الجارود - ممن صحب الشافعي - قال: صح حديث «أَفْطَرَ الحاجم والمحجوم» فأقول: قال الشافعي: أفطر الحاجم والمحجوم. فَرَدُّوا ذلك على أبي الوليد؛ لأن الشافعي تركه مع علمه بصحته؛ لكونه منسوخا عنده، وبَيَّنَ الشافعي نسخه واستدل عليه». وقد قدمنا عن ابن خزيمة أنه قال:«لا أعلم سُنّة لرسول الله ﷺ في الحلال والحرام لم يودعها الشافعي كتبه»، وجلالة ابن خزيمة وإمامته في الحديث والفقه، ومعرفته بنصوص الشافعي بالمحل المعروف.
قال الشيخ أبو عمرو: فمن وجد من الشافعية حديثا يخالف مذهبه، نظر: إن كملت آلات الاجتهاد فيه مطلقا - أو في ذلك الباب أو المسألة - كان