القضاء بالعلم "حكما بعلم" أي يقين "وإنما هو مثل أن يرى القاضي رجلا يقرض رجلا (١) مالا أو يقر له به في غير مجلس حكمه" أو فيه قبل الدعوى فيحكم فيه بظنه أشار بذلك إلى ما صرح به الأصل من أن المراد بالعلم الظن المؤكد بقرينة تمثيلهم للقضاء به بما إذا ادعى عليه مالا وقد رآه القاضي أقرضه ذلك أو سمع المدعى عليه أقر بذلك إذ رؤية الإقراض وسماع الإقرار لا يفيد العلم بثبوت المحكوم به وقت القضاء فقول الإمام إنما يقضي بالعلم فيما يستيقنه لا ما يظنه اختيارا له أو يحمل قوله ما يستيقنه (٢) على ما يشمل الظن القوي وما بعده على مجرد الظن أما الإقرار بمجلس حكمه بعد الدعوى فالحكم به لا بالعلم كما علم مما مر أيضا نعم إن أقر عنده سرا فهو حكم بالعلم قاله في الأنوار. والأصل قدم هذه المسألة على مسألة ذكر الحاكم حكمه وهو أنسب لتعلق تلك بقوله "فإن لم يذكره لم يمضه ولو كان بسجل في حفظه" أي حرزه لاحتمال التزوير ومشابهة الخط; ولأن قضاءه
(١) "قوله وإنما هو مثل أن يرى القاضي رجلا يقرض رجلا إلخ" أو يقر عنده بالطلاق الثلاث ثم يدعي زوجيتها أو يدعي أن فلانا قتل مورثه، وهو يعلم أن غيره قتله أو يقول هذه أمتي وتصدقه، وهو يعلم أنها ابنته وقال الماوردي: إذا رأى الحاكم رجلا يتصرف في داره مدة طويلة من غير معاوضة جاز أن يحكم له بالملك قال الشيخ عماد الدين الحسباني: والأشبه ما قاله الماوردي، وهو أن كل ما تسوغ الشهادة به يجوز القضاء به وقد يقال باب القضاء أوسع من باب الشهادة; ولذلك يجوز أن يحكم بقول عدلين ولا يجوز للشاهد أن يشهد بما سمعه من عدلين فيما تشترط فيه المعاينة إذ السماع من الأقوال والأفعال وكذا فيما تكفي فيه الاستفاضة على الراجح فمتى تحقق الحاكم طريقا تسوغ الشهادة للشاهد جاز له الحكم بها كمشاهدة القرض والإبراء واستصحاب حكمهما وكمشاهدة اليد والتصرف مدة طويلة بلا معارض وكخبرة باطن المقر ومن لا وارث له ونحو ذلك من العدالة وطرق الإملاك فهذا هو الصواب نعم لا يكتفي في ذلك بمجرد الظنون وما يقع في القلوب بلا أسباب لم يشهد الشرع باعتبارها، وأما كل سبب اعتبره الشارع في الشهادة وشرعها به فالأشبه الاكتفاء به إذا علمها الحاكم. ا هـ. (٢) "قوله أو يحمل قوله ما يستيقنه إلخ" قال العراقي: ويمكن حمل كلام الإمام علي ما إذا ظن أصل اللزوم وفي الصور المتقدمة تحقق أصل اللزوم وإنما نشأ الظن من جهة استصحاب بقائه لجواز الوفاء أو الإبراء وهذا كالشهادة لا يشهد بما ظنه من غير يقين إلا أن ينشأ الظن من استصحاب مع تحقق أصل اللزوم