للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الحكم ما عبر به "فإن كذبه الجاني" في زوال عقله (١) ونسبه إلى التجانن "اختبر في غفلاته فإن لم ينتظم قوله، وفعله أعطي" الدية "بلا يمين" (٢) ; لأنه يتجانن في الجواب، ويعدل إلى كلام آخر; ولأن يمينه تثبت جنونه. والمجنون لا يحلف لا يقال يستدل بحلفه على عقله; لأنه قد يجري انتظام ذلك منه اتفاقا نعم إن تقطع جنونه حلف زمن إفاقته "وإن انتظما حلف الجاني" لاحتمال صدور المنتظم اتفاقا أو جريا على العادة والاختبار بأن يكرر ذلك (٣) إلى أن يغلب على الظن صدقه أو كذبه.

"الثاني السمع" أي إزالته "وفيه الدية" لخبر البيهقي "وفي السمع الدية" (٤) ونقل ابن المنذر فيه الإجماع; ولأنه من أشرف الحواس (٥) فكان كالبصر "و" في إزالته "مع" قطع "الأذنين" "ديتان"; لأنه ليس في الأذنين "، وفي" إزالة "سمع إحداهما نصفها" أي الدية لا لتعدد السمع فإنه واحد، وإنما التعدد في منفذه بخلاف ضوء البصر إذ تلك اللطيفة متعددة، ومحلها الحدقة بل; لأن ضبط نقصانه بالمنفذ أقرب منه بغيره.

"فإن قالوا" أي أهل الخبرة "يعود، وقدروا" لعوده "مدة (٦) لا يستبعد عيشه" أي أن يعيش "إليها انتظرت" فإن استبعد ذلك أخذت


(١) "قوله: فإن كذبه الجاني في دعوى زواله من وليه" أو منصوب الحاكم.
(٢) "قوله: أعطى الدية بلا يمين" فإن كان جنونه متقطعا وادعى زمن إفاقته حلف فيه.
(٣) "قوله: والاختبار بأن يكرر ذلك إلخ" قال ابن القطان وطريق العلم بذهاب عقله أن نمتحنه بأفعاله مرات حتى يقع لنا العلم بذهابه، وأنه ليس بمتصنع في ذلك ثم نسأل أهل الخبرة فإن قالوا هذا يزول تربصنا به المدة فإن زال لم نحكم بشيء، وإلا حكمنا بالدية.
(٤) رواه البيهقي في الكبرى "٨/ ٨٧" حديث "١٦٠٠٤".
(٥) "قوله: ولأنه من أشرف الحواس" فكان كالبصر بل هو أشرف منه عند أكثر الفقهاء; لأنه يدرك به من الجهات، وفي النور والظلمة، ولا يدرك بالبصر إلا من جهة المقابلة وبواسطة من ضياء أو شعاع وتقديم ذكر السمع في آيات القرآن والأحاديث يقتضي أفضليته، وقال أكثر المتكلمين بتفضيل البصر عليه; لأن السمع لا يدرك به إلا الأصوات والبصر تدرك به الأجسام والألوان والهيئات فلما كانت تعلقاته أكثر كان أفضل.
(٦) "قوله: وإن قالوا يعود، وقدروا مدة إلخ" نقلاه عن الإمام، وقضيته أنه ذكره في السمع خاصة، وليس كذلك بل في سائر المعاني التي يجب فيها الدية وتبعه على ذلك الشيخ عز الدين بن عبد السلام.