قال الماوردي وغيره: والمراد العقل الغريزي (١) الذي به التكليف دون المكتسب الذي به حسن التصرف ففيه الحكومة "فإن رجي" عوده في المدة المذكورة "انتظر" فإن عاد فلا ضمان "كمن" أي كما في سن من "لم يثغر، وفي" إزالة "بعضه" بعض الدية (٢)"بالقسط إن انضبط بزمان" كما لو كان يجن يوما، ويفيق يوما "أو غيره" بأن يقابل صواب قوله وفعله بالمختل منهما، وتعرف النسبة بينهما. "وإلا" أي، وإن لم ينضبط بأن كان يفزع أحيانا مما لا يفزع أو يستوحش إذا خلا "فحكومة" تجب يقدرها الحاكم باجتهاده، وكذا حيث تجب في سائر المنافع الآتية "ولا قصاص فيه" للخلاف في محله (٣) ولعدم الإمكان "وإذا زال" العقل "بجناية لها أرش"(٤) مقدر "أو حكومة وجبا" أي كل منهما "مع ديته" أي العقل; لأنها جناية أبطلت منفعة ليست في محل الجناية (٥) فكانت كما لو أوضحه فذهب سمعه أو بصره فلو قطع يديه ورجليه فزال عقله وجب ثلاث ديات.
"وإن مات في أثناء المدة المقدر عوده فيها وجبت الدية" كما جزم به الجرجاني وغيره واعتبار المدة والتصريح بوجوب الدية من زيادته، وكذا تنظير الانتظار فيما مر بسن من لم يثغر، وعبارة الأصل نقلا عن المتولي فإن توقع عوده فيتوقف في الدية فإن مات قبل الاستقامة ففي الدية وجهان كما لو قلع سن مثغور فمات قبل عودها، وقوله سن مثغور، وصوابه كما قال الأذرعي وغيره سن غير مثغور فإنه الذي ذكره المتولي، وإن كان الموافق للمنقول أي من حيث
(١) "قوله: والمراد العقل الغريزي"، وهو العلم بالمدركات الضرورية. (٢) "قوله: وفي إزالة بعضه بعض الدية" العقل الغريزي لا يتبعض في ذاته بأنه محدود بما لا يتجزأ فلا يصح أن يذهب بعضه ويبقى بعضه، ولكن قد يتبعض زمانه فيعقل يوما ويجن يوما قاله الماوردي، ومقتضى كلام غيره أنه يتبعض. (٣) "قوله: للخلاف في محله" فقيل القلب، وهو الصحيح عند أصحابنا، وأكثر المتكلمين، وقيل الدماغ، وإليه ذهب أبو حنيفة، وجماعة من الأطباء، وقيل مشترك بينهما د. (٤) "قوله: وإن أزاله بجناية لها أرش" قال الماوردي لو أزال عقله بمباشرة لا توجب غرما كاللطمة واللكمة ونحوهما فلا تجب إلا الدية، وهل يعزر؟. فيه وجهان. (٥) "قوله: لأنها جناية أبطلت منفعة ليست في محل الجناية" علم منه أن محله القلب لا الدماغ إذ لو كان في الرأس لم يجب غير دية العقل; لأنه إنما شج رأسه، وأتلف عليه العقل الذي هو منفعة في العضو المشجوج.