الأفعال التي هي آثار السخاوة مثلا تدل عليها دلالة عقلية قطعية لا يتصور فيها تخلف بخلاف الأقوال فإن دلالتها عليها وضعية، وقد يتخلف عنها مدلولها، ومن هذا القبيل حمدا لله، وثناؤه على ذاته، وذلك أنه تعالى حين بسط بساط الوجود على ممكنات لا تحصى، ووضع عليه موائد كرمه التي لا تتناهى فقد كشف سبحانه عن صفات كماله، وأظهرها بدلالات قطعية تفصيلية غير متناهية فإن كل ذرة من ذرات الوجود تدل عليها، ولا يتصور في العبارات مثل هذه الدلالات، ومن ثم قال ﵊:"سبحانك لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك (١) ". وقد بسطت الكلام على الحمد والشكر في شرح البهجة، وغيره (٢).
"الذي جعل الكتاب العزيز" أي القرآن"روضة دانية قطوفها" أي قريبة ثمارها، والمراد فوائدها، والروضة تقال لبقعة ذات أشجار كثيرة الثمار، والبقل، والعشب، وقد استعار لفظها للقرآن، ورشح الاستعارة بدانية قطوفها"وأوجز" أي قلل مبانيه، وكثر معانيه"فأعجز" خلقه عن إدراك معانيه، وعن إتيانهم بمثله "وجمع" فيه"علم الأولين، والآخرين في كلم" عدتها على ما روي عن ابن مسعود سبع، وسبعون ألفا، وتسعمائة، وأربع، وثلاثون "معدودة حروفها (٣) "، وهي على ما روي عن ابن مسعود ثلاثمائة ألف،
(١) رواه مسلم، كتاب الصلاة، باب ما يقال في الركوع والسجود، حديث ٤٨٦. (٢) "قوله: وقد بسطت الكلام على الحمد والشكر إلخ" والشكر لغة فعل ينبئ عن تعظيم المنعم من حيث إنه منعم على الشاكر أو غيره سواء كان باللسان أم بالجنان أم بالأركان فمورد الحمد اللسان وحده ومتعلقه النعمة وغيرها ومورد الشكر اللسان وغيره ومتعلقه النعمة وحدها فالحمد أعم متعلقا وأخص موردا والشكر بالعكس ومن ثم تحقق تصادقهما في الثناء باللسان في مقابلة الإحسان وتفارقهما في صدق الحمد فقط على الثناء باللسان على العلم والشجاعة وصدق الشكر فقط على الثناء بالجنان على الإحسان والشكر عرفا صرف العبد جميع ما أنعم الله به عليه من السمع وغيره إلى ما خلق لأجله فهو أخص مطلقا من الثلاثة قبله لاختصاص متعلقه بالله تعالى ولاعتبار شمول الآلات فيه بخلاف الثلاثة والشكر اللغوي مساو للحمد العرفي وبين الحمدين عموم من وجه ش. (٣) "قوله: في كلم معدودة حروفها إلخ" أما النقط على حروفه فألف ألف وخمس وعشرون ألفا =