بالنقل والتخريج - وذلك لانقداح فرق بين المسألتين، ومن ثم فهو يُقَرِّرُ النصين، كلاً في موضعه.
ومن أمثلة ذلك كما في «الوسيط في المذهب للغزالي» * مسألة في «المهادنة» وهى: إذا أراد الكفار المهادنة وطلبوا ذلك - وليس للمسلمين حاجة في عقد المهادنة - فهل تجب الإجابة إلى طلبهم؟ فيها قولان بالنقل والتخريج:
الأول: أنه لا يجب، وهو الصحيح والمنصوص.
والثاني: أنه يجب، وهو وجه مُخَرَّج من الجزية إذا طلبها الكفار لكف القتال.
وفي مسألة «الجزية» إذا طلبها الكفار - من أهل الكتاب - وجبت الإجابة إلى طلبهم، وهو المنصوص. وفيها قول مخرج من المهادنة: أنه لا تجب الإجابة. وعن هذين القولين المخرجين يقول الغزالي ﵀: والوجهان ضعيفان، والصحيحُ الفَرْقُ، فإنّ عَقْدَ الذمة كف بمال، وهذه مسامحة.
ومثال آخر: وهي مسألة في «الشهادة» أنه لو شَهِدَا حسبةً على رجل أنه سرق مال فلان الغائب، فهل يُقطع هذا السارق أم يُنتظر حضور المالك ورفع الدعوى؟ نص الشافعي ﵀ أنه لا يُقطع ما لم يخضر المالك.
ثم نص الشافعي أنه لو شهدوا على رجل أنه زنا بجارية فلان الغائب، نص أنه يُحدُّ في الحال ولا ينتظر مجيء سيدها.
فقيل: قولان، بالنقل والتخريج، وطردوا ذلك أيضًا في إقرار المتهم في المسألتين.
ومنهم مَنْ فَرَّقَ بين المسألتين وقَرَّرَ النصَّيْنِ - كما قال الغزالي في الوسيط في هذه المسألة بقوله: وهو الأصح، لأن المالك لو حضر وقال: كنتُ أبختُ له هذا المال، فإن حد السرقة يُدْرَأ عن السارق، وذلك بخلاف الزنا، فإن الحد لا يسقط بإباحة سيد الأَمَةِ وَطْأَها.
* وقد حققت هذا الكتاب بفضل الله تعالى - أنا وأخي الدكتور أحمد محمود، ومعه مشكل الوسيط لابن الصلاح، وطبع في سبعة أجزاء كبار.