وجوه الناس خير الصدقة ما كان عن ظهر غنى" (١) رواه أبو داود وصححه الحاكم وقوله عن ظهر غنى أي غنى النفس وصبرها على الفقر أما التصدق ببعض الفاضل فمستحب مطلقا إلا أن يكون قدرا يقارب الجميع فالأوجه جريان التفصيل السابق فيه والظاهر أخذا من كلام الغزالي (٢) في الإحياء أن المراد بالكفاية هنا ما يكفيه ليومه وكسوة فصله لا ما يكفيه في الحال فقط ولا ما يكفيه في سنته.
"ولو تصدق بما يحتاجه لعياله لم يجز" لخبر "كفى بالمرء إثما أن يضيع من يقوت" (٣) رواه أبو داود بإسناد صحيح ورواه مسلم بمعناه ولأن كفايتهم فرض وهو أولى من النفل ولا يرد على ذلك خبر الأنصاري الذي نزل به الضيف فأطعمه قوته وقوت صبيانه لأن ذلك ليس بصدقة بل ضيافة والضيافة لا يشترط فيها الفضل عن عياله ونفسه لتأكدها وكثرة الحث عليها حتى أن جماعة من العلماء أوجبوها ولأنه محمول (٤) على أن الصبيان لم يكونوا محتاجين حينئذ إلى الأكل وأما الرجل وامرأته فتبرعا بحقهما وكانا صابرين وإنما قال فيه لأمهم نوميهم خوفا من أن يطلبوا الأكل على عادة الصبيان في الطلب من غير حاجة
"وكذا" لا يجوز أن يتصدق بما يحتاجه "لدينه" أي لوفائه (٥) "إلا إن ظهر" له "حصوله" بغلبة ظنه "من جهة أخرى" ظاهرة فلا بأس بالتصدق به وقد يستحب نعم إن حصل بذلك تأخير وقد وجب وفاء الدين على الفور بمطالبة أو غيرها فالوجه كما قال الأذرعي وجوب المبادرة إلى إيفائه وتحريم الصدقة بما يتوجه
(١) أبو داود كتاب الزكاة، باب الرجل يخرج من ماله، حديث "١٦٧٣"، والدارمي في كتاب الزكاة، باب النهي عن الصدقة بجميع ما عند الرجل حديث "١٦٥٩". (٢) "قوله والظاهر أخذا من كلام الغزالي إلخ" قضية كلام الغزالي في الإحياء أن المراد اليوم والليلة والأقرب أنها مدة لا يجد فيها مالا غيره ع. (٣) أصله عند مسلم في كتاب الزكاة، باب فضل النفقة على العيال والمملوك وإثم من ضيعهم أو حبس نفقتهم عنهم. حديث "٩٩٤"، وهو عند أبي داود كتاب الزكاة، باب في صلة الرحم حديث "١٦٩٢". (٤) "قوله ولأنه محمول إلخ" التوجيه الثاني ما في شرح مسلم وإذا كاره وهو المعتمد. (٥) "قوله: أي لوفائه" خرج به الرغيف ونحوه، مما لا يعد لوفاء الدين.