وأقرأ الطَّلَبَةَ في الفقه، وغيرِهِ، وأفتى، وتصدَّر بالمسجدِ الحرامِ معَ استحضارٍ لمذهَبِهِ، وتميَّزَ في فنِّ الأدَبِ، وحُسنِ مذاكَرَةٍ، وظَرْفٍ، ولُطْفِ عِشْرَةٍ، وعَقْلٍ، وتَوَدُّدٍ، وأوصافٍ لائِقَةٍ، وقد تَرَفَّعَ حالُهُ بالنِّسبَةِ لما كان، وابتنى دارًا هائلةً، ورافعَ فيه بعضُ مَنْ كان في خِدْمتهِ، وتكلَّمَ بكلامٍ كثيرٍ، وكادَ أن يَتَزَحْزَحَ فخذلَهُ اللهُ.
وكذا كانتْ بينَهُ، وبينَ الحنبليِّ بعضُ مراجعاتٍ مِنَ الجانبينِ، ثمَّ لما ماتَتْ زوجتَهُ المشارُ إليها، وتزوَّجَ بعدُ بابْنَةٍ للشَّريفِ أصيلٍ، فَلَمَّا مات، -وكانت زوجتُهُ أختُ قاضي الحنفيَّةِ بِمَكَّةَ،- كانتَ بينهما مراجعاتٌ، بِسَبَبِ ميراثه استحسنتْ كلامَهُ فيها، ومع ذلك فلم يَظْفَرْ بطائلٍ.
ثمَّ كانتْ بينَهُ وبينَ عبدِ الله ابن الشيبيِّ (١) مفاوضةٌ بسبَبِ وَقْفِ الخلجيِّ في سنةِ إحدى وتسعَ مِئَةٍ، لم أحمَدْ صنيعَهُ فيها مع عَقْلِهِ، واللهُ تعالى يؤيِّدُهُ، ويحملُهُ، ومِنْ نَظْمِهِ:
إنْ كنْتَ ترجُو من الرَّحمنِ رحمتَهُ … فارحمْ ضِعافَ الوَرى يا صاح مُحترِمَا