كانتْ له مكارمُ، وفيه مروءةٌ، وكانَ يحكي أنَّه توجَّهَ للحجِّ، فحصلَ له في الطَّريقِ خِلطٌ أقعده، بحيثُ لم يكنْ يستطيعُ الحركةَ، بل صارَ يُحملُ في محَفَّة (٢)، فلمَّا دخلَ مكَّةَ تحلَّلَ الخلطُ قليلًا، ثمَّ خفَّ في السَّعي، ثمَّ في التَّوجُّهِ إلى عرفةَ، ثمَّ في الوقوفِ بها، ثمَّ بمِنى، ولم يبقَ منه شيءٌ، فلمَّا عادَ مِن مكَّةَ عادَ له ذلك، فلمَّا وصلَ المدينةَ النَّبويّة وسلَّمَ على النَّبيِّ -صلى الله عليه وسلم-، استغاثَ به (٣) وتشفَّع، وهمَّ بالقيامِ، فقامَ وخرجَ، كأنْ لم يكنْ به وجعٌ قطُّ، ماتَ في ذي القعدةِ سنةَ ثلاثٍ وعشرين وسبعِ مئةٍ، ذكرَه القطبُ
(١) في الأصل: بالرند، والتصحيح من "الدرر الكامنة". (٢) المِحَفِّة، بالكسر: مركبُ النِّساء، كالهودجِ إلا أنها لا تُقَبَّب. "القاموس المحيط": حفف. (٣) هذا مما لا شكَّ في عدم مشروعيته، وقد قال الله تعالى: {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا} [الجن: ١٨] وقال عزَّ وجلَّ: {وَلَا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكَ وَلَا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِنَ الظَّالِمِينَ (١٠٦) وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (١٠٧)} [يونس:١٠٦ - ١٠٧] وفي الصحيحين أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حِينَ أُنْزِلَ عَلَيْهِ {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ} "يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ اشْتَرُوا أَنْفُسَكُمْ مِنَ الله لَا أُغْنِى عَنْكُمْ مِنَ اللهِ شَيْئًا، يَا بَنِى عَبْدِ المُطَّلِبِ لَا أُغْنِى عَنْكُمْ مِنَ اللهِ شَيْئًا، يَا عَبَّاسَ بْنَ عَبْدِ المُطَّلِبِ لَا أُغْنِى عَنْكَ مِنَ اللهِ شَيْئًا، يَا صَفِيَّةُ عَمَّةَ رَسُولِ اللهِ لَا أُغْنِى عَنكِ مِنَ اللهِ شَيْئًا، يَا فَاطِمَةُ بِنْتَ رَسُولِ اللهِ سَلِينِى بِمَا شِئْتِ لَا أُغْنِى عَنْكِ مِنَ اللهِ شَيْئًا".