قالَ ابنُ فَرحونٍ (٣): كانَ ملازمًا لوظيفتي الأذان والإقامة، شتاءً وصيفًا، لا يغيبُ لا في الموسمِ ولا في غيرِه؛ وإنْ غابَ النَّاس، بل كانَ لا يُفارقُ ذكرَ الإقامة مدَّةَ حياتهِ، فإنْ حضرَ أصحابُ النَّوبةِ وإلا قامَ عنهم، ويبيتُ ليلةَ نوبتِه بالمدرسةِ الشِّهابيةِ، وفي أيَّامِ الصَّيفِ لا يخرجُ معَ عيالِه إلى نخلِهم، بل يُقيمُ هو في المدينةِ رغبةً في الجماعةِ.
كلُّ ذلكَ معَ حُسن الخُلقِ، والدِّيانةِ والصِّيانةِ، وقلَّةِ الكلامِ في أعراضِ النَّاس، وهو في ذلكَ في الذِّروَةِ العليا والمقامِ الأسنى، ورُزقَ أولادًا ذكورًا وإناثًا، مباركين مؤدَّبين، ولكنَّه لم يكن مُهتبلًا (٤) بحالهم، ولا يهمُّهُ أمرُهم، بل هو مشتغلٌ بنفسِه وبالقيامِ بوظائفِه، مع التقشُّفِ في ملبسِه، وحاله كلِّهِ.
وكانَ قدومُهُ المدينةَ سنة إحدى وعشرين وسبعِ مئةٍ، ورغَّبَهُ ابنُ أخته مُحمَّدُ بنُ
(١) التادلي: نسبة إلى تادلة، بلدةٍ بين فاس ومراكش. انظر: "الموسوعة المغربية" ٤/ ٣٠٣. (٢) ترجمته في القسم المفقود من الكتاب. (٣) "نصيحة المشاور" ص ١٥٨. (٤) أي: مهتمًا. الهبَّال: الكاسب. "القاموس": هبل.