في العامِ المقبلِ -وذلك في ذي الحجَّة أوسط أيام التَّشريق- قدِمَ عليه سبعون فأزيدُ منهم، وكان مَن حجَّ مِن قومهم خمس مئةٍ، فوعدهم مِنى -ليلةَ النَّفر الأوَّل إذا هدأت الرِّجالُ: أن يوافوه في الشِّعب الأيمن إذا انحدروا من منى أسفلَ العَقبة، فوافَوه فيه، ومعه عمُّه العبَّاسُ -قبل إسلامه- مُتوثِّقًا له، وهي العَقبة الثَّانية.
فبايعوه على أنْ يمنعوه ممَّا يمنعون منه نساءَهم وأبناءَهم وأنفسَهم، وعلى حرب الأحمر والأسود، وأنزل اللّه تعالى:{أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ}(٢) الآية، وغيرَها، وأنَّه "من وفَّى فله الجنَّةُ، ومَن غشي ممَّا بايعهم عليه، كان أمرُه إلى اللّهِ، إن شاء عذَّبَه وإن شاءَ عفا عنه"(٣).
ثمَّ رجعوا إلى رحالهم، وقد طابت نفسُ رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم -، إذ جعل اللّه له مَنَعةً: قومًا أهل حربٍ وعُدّةٍ ونجدة.
(١) العَقَبةُ بالتَّحريك: مرقى صعبٌ من الجبال. "القاموس": عقب. والمراد بها عقَبَة مِنى. "المعالم الأثيرة"، ص: ١٩٤ باختصار. (٢) سورة الحج: ٣٩. (٣) حديث صحيح. أخرجه أحمد ٣/ ٣٢٢، والحاكم ٢/ ٦٢٤، وصحَّحه، ووافقه الذهبي. وقد وردت الآية في حديث ابن عباس - رضي الله عنه - قال: لما أُخرج النَّبي - صلى الله عليه وسلم - من مكَّة قال أبو بكر: أخرجوا نبيهم ليهلكن، فأنزل اللّه: {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ (٣٩)} الآية، فقال أبو بكر: لقد علمتُ أنه سيكون قتال. أخرجه الترمذي في كتاب تفسير القرآن، باب: ومن سورة الحج (٣١٧١) وقال: هذا حديث حسن.