قدَّمَهُ بعضُهم على بشّارِ بنِ بُردٍ، وأبي نُواسٍ. وحكى الأصمعيُّ عن رجلٍ أنَّه قدمَ المدينةَ وقصدَ منزلَه، فلم يجدْه، ووجدَ بُنَيّةً له صغيرةً تلعبُ بالطِّين، فقال لها: أينَ أبوكِ؟ قالتْ: وفدَ إلى بعضِ الملوكِ، فما لنا به علمٌ منذُ مدَّةٍ، فقال: انحري لي ناقةً، فأنا ضيفُكِ. قالتْ: واللهِ ما عندَنا. قال: فشاةً، قالتْ: والله ما عندَنا. قال: فدجاجةً، قالتْ: كذلك. قال فبيضةً. قالت كذلك. قال لها: فبطَلَ قَولُ أبيك:
كمْ ناقةٍ قد وَدَأْتُ مَنْحَرَهَا … بمُستَهلِّ الشُّؤبوبِ أو جَمَلِ (١)
قالت: فذاكَ الفعلُ من أبي هو الذي صيَّرنا ليس عندنا شيءٌ، وتمامُ الشِّعر مع رِكَّتهِ:
لا أُمتعُ العُوذَ بالفصالِ ولا … أبتاعُ إلا قصيرةَ الأجلِ
إني إذا ما البخيلُ آمنَها … باتتْ ضَمورًا مني على وَجلِ
وحكى الغَلَابي (٢)، عن ابنِ عائشة (٣)، أنَّ ابن هَرْمَة قَدِمَ على المنصورِ فمدحَه، فأعطاه عشرةَ آلاف درهمٍ، وقالَ يا ابنَ هَرمةَ: إنَّ الزَّمانَ ضيِّقٌ بأهلِه، فاشترِ بهذهِ
(١) الأبيات مع القصة في "الأغاني" ٥/ ٤٧. العُوذُ: الحديثاتُ النتاج من الظباء والإبل والخيل. "لسان العرب": عوذ. الشُّؤْبوبُ: الدُّفعة من المطر وغيره. "الصحاح": شأب. (٢) محمَّد بنُ زكريا الغَلابيُّ الأخباريُّ، أبو جعفرٍ، صاحبُ حكاياتٍ وأخبار، يعتبر حديثه إذا روى عن الثقات؛ توفي سنة ٢٩٠ هـ. "الثقات لابن حبان" ٩/ ١٥٤، و "تذكرة الحفاظ" ٢/ ٦٣٩، و "العبر" ٢/ ٨٦. والغَلابي: بفتح الغين واللام ألف (المخففة) وفي آخرها الباء الموحدة. نسبة إلى غَلاب، وهو اسم لبعض أجداد المنتسب إليه. "الأنساب" ٤/ ٣٢١. (٣) عبيدُ اللهِ بنُ محمَّد، أبو عبدِ الرَّحمن التيميُّ، ابن عائشة، وكان فصيحا أديبا سخيا، عارفا بأيام الناس، صدوقًا في الحديث، توفي سنة ٢٢٨ هـ. "تاريخ بغداد" ٧/ ٤٥٥.