كلُّ واحدٍ من قريشٍ من الصحابةِ والتَّابعينَ ومَنْ بعدَهُم، وإنْ كان علمُهُ قد ظهرَ وانتشرَ؛ فإنَّه لم يبلُغْ مبلغًا يقعُ تأويل هذه الرِّؤيةِ (١) عليه؛ إذ كانَ لكلِّ واحدٍ منهم نُتَفٌ وقِطَعٌ مِنَ العِلمِ ومسائلُ، وليسَ في بلدةٍ مِنْ بلادِ المسلمينَ مدرِّسٌ ومُفتٍ، ومُصَنِّفٌ يصنِّفُ على مذهبِ قرشيٍّ إلا على مذهبِ الشافعيِّ؛ فعُلِمَ أنه المَعْنِيُّ لا غيرُهُ.
وقالَ أَحْمَدُ: إنَّ اللهَ يقيَّضُ لهذه الأمَّةِ في كلِّ مِائةِ سنةٍ من يُعَلِّمُهُمُ السُّنَنَ، وينفِي عن رسولِ الله -صلى الله عليه وسلم- الكَذِبَ؛ فنظرْنَا فإذا في رأس المئةِ عمرُ بنُ عبدِ العزيز، وفي رأس المئتين الشافعيُّ.
ومِن بديعِ كلامه: مَنِ استُغْضِبَ فلم يَغْضَبْ فهو حمارٌ، ومن استُرْضِيَ فلم يرضَ فهو شيطانٌ، ومَن ذُكِّر فلم ينزجِرْ فهو محرومٌ، ومن تَعَرَّضَ لما لا يعنيه فهو المَلومُ. ومَن اقتصرَ على علمِهِ لم يشعُر بكثْرَةِ العِلم.