ومنهم من جعلَهُ من خصائصِهِ ﷺ، وممَّن جزمَ بذلك الماورديُّ ويحيى بن أكثَم، ونقلهُ المزنيُّ عن الشَّافعيِّ. قال: وموضعُ الخصوصيَّةِ أنَّه أعتَقَها مطلقًا، وتزوَّجَها بغير مهرٍ ولا وليٍّ ولا شهودٍ، وهذا بخلافِ غيره، وقيل: المعنى أعتقها ثمَّ تزوَّجها، فلمَّا لم يعلَمْ أنسٌ أنَّه ساقَ لها صداقًا قال: أصدَقها نفسَها، أي: لم يصدقْها شيئًا فيما أعلمُ، فلم ينفِ أصل الصَّداقِ، ولهذا قال الطَّبريُّ من الشَّافعيَّةِ، وابنُ المرابطِ من المالكيَّةِ، ومن تبعهما: إنُّه -قولُ أنسٍ- قاله ظنًّا من قبلِ نفسِهِ، ولم يرفعْهُ، وعورضَ بما أخرجه الطَّبرانيُّ وأبو الشَّيخ من حديثِ صفيَّةَ نفسِها أنَّها قالت:«أَعتقني النَّبيُّ ﷺ وجعلَ عِتقي صَدَاقي». فيردُّ على القائلِ بأنَّ أنسًا قاله من قبلِ نفسهِ.
وهذا الحديث سبقَ في «غزوة خيبر»[خ¦٤٢٠٠].
(١٤)(بابُ) جوازِ (تَزْوِيجِ المُعْسِرِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿إِن يَكُونُوا فُقَرَاء﴾) من المالِ (﴿يُغْنِهِمُ اللهُ مِن فَضْلِهِ﴾ [النور: ٣٢]) فالإعسارُ في الحالِ لا يمنَعُ التَّزويجَ (١) لاحتمالِ حصولِ المالِ في المآلِ، وعن عليِّ بن أبي طلحةَ، عن ابن عبَّاس أنَّه قال: رغَّبَهم الله تعالى في التَّزويجِ، وأمرَ به الأحرارَ والعبيدَ. يعني: في قوله تعالى: ﴿وَأَنكِحُوا الْأَيَامَى مِنكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ﴾ ووعدَهُم عليه الغِنَى فقال: ﴿إِن يَكُونُوا فُقَرَاء يُغْنِهِمُ اللهُ مِن فَضْلِهِ﴾ [النور: ٣٢] وعن سعيد بن عبد العزيزِ قال: بلغني أنَّ أبا بكر الصِّدِّيق ﵁ قال: أطيعُوا اللهَ فيما أَمَركم به من النِّكاح، ينجِز لكُم ما وعدَكُم من الغِنَى، قال: ﴿إِن يَكُونُوا فُقَرَاء يُغْنِهِمُ اللهُ مِن فَضْلِهِ﴾ رواهُ ابنُ أبي حاتم، وعن ابنِ مسعود أنَّهُ قال:«التَمِسُوا الرِّزقَ في النِّكاحِ بقول الله: ﴿إِن يَكُونُوا فُقَرَاء يُغْنِهِمُ اللهُ مِن فَضْلِهِ﴾» رواه ابنُ جرير. وذكرَ البغويُّ عن عمر (٢) نحوه. وفي حديثِ أبي هُريرة عند أحمدَ والتِّرمذيِّ والنَّسائيِّ وابنِ ماجه: قال رسولُ الله ﷺ: «ثلاثةٌ حقٌّ على اللهِ عونهُم: النَّاكِحُ يريدُ العفافَ … » الحديثَ.
(١) في (ب) و (س): «التزوج». (٢) في (س): «ابن عمر».