كقولك: خلطت الماء واللَّبن، فكلٌّ مخلوطٌ ومخلوطٌ به الآخر، ولو قلت: خلطت الماء باللَّبن؛ كان الماء مخلوطًا واللَّبن مخلوطًا به فإذا قلت: بالواو جعلت الماء واللَّبن مخلوطين ومخلوطًا بهما، كأنَّك قلت: خلطت الماء باللَّبن واللَّبن بالماء (١)، وهو استعارةٌ عن الجمع بينهما (﴿عَسَى اللّهُ أَن يَتُوبَ عَلَيْهِمْ﴾) جملةٌ مستأنفةٌ، و ﴿عَسَى﴾ من الله واجبٌ، وإنَّما عبّر بها؛ للإشعار بأنَّ ما يفعله تعالى ليس إلَّا على سبيل التَّفضُّل منه (٢) سبحانه، حتَّى لا يتَّكل المرء بل يكون على خوفٍ وحذرٍ، والمعنى: عسى الله أن يقبل توبتهم، فإن قلت: كيف قال: ﴿أَن يَتُوبَ عَلَيْهِمْ﴾ ولم يسبق للتَّوبة ذكرٌ؟ أجِيبَ بأنَّه مدلولٌ عليها بقوله: ﴿اعْتَرَفُواْ بِذُنُوبِهِمْ﴾ قاله في «الأنوار» كـ «الكشَّاف»(﴿إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾ [التوبة: ١٠٢]) وسقط قوله: «﴿خَلَطُواْ﴾ … » إلى آخره لأبي ذَرٍّ، وقال بعد قوله: ﴿بِذُنُوبِهِمْ﴾: «الآيةَ» قال ابن كثيرٍ (٣): وهذه الآية وإن كانت في أناسٍ معيَّنين إلَّا أنَّها عامَّةٌ في كلِّ المذنبين الخطَّائين، وقد قال مجاهدٌ: نزلت في أبي لُبابة لمَّا قال لبني قريظة: «إنَّه الذَّبْحُ (٤) وأشار بيده إلى حلقه» قال ابن عبَّاسٍ: «في أبي لبابةَ وجماعةٍ من أصحابه، تخلَّفوا عن غزوة تبوك» وقال بعضهم: أبو لبابة وخمسةٌ معه، وقيل: وسبعةٌ، وقيل: وتسعةٌ، فلمَّا رجع النَّبيُّ ﷺ من غزوته؛ ربطوا أنفسهم بسواري المسجد، وحلفوا لا يحلُّهم إلَّا رسول الله ﷺ، فلما أنزل الله الآية أطلقهم ﷺ، وعفا عنهم.
(١) قوله: «فإذا قلت: بالواو جعلت الماء واللَّبن … خلطت الماء باللَّبن واللَّبن بالماء»، مثبت من (د) و (م). (٢) «منه»: ليس في (د). (٣) في (د) و (م): «المنيِّر». (٤) في (ص): «الذَّبائح»، ولا يصحُّ.