وإن اختلفا في اللَّفظ، فمن ذلك قوله تعالى: ﴿أَوَلَمْ يَرَوْا (١) أَنَّ اللهَ الَّذِي (٢) خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقَادِرٍ﴾ [الأحقاف: ٣٣] فأُجرِي في دخول الباء على الخبر مجرى «أوليس الَّذي» لأنَّه بمعناه، ومن إيقاع «أحدٍ» في الإيجاب المُؤوَّل بالنَّفي قول الفرزدق (٣):
ولو سُئِلت عنِّي نوارُ وأهلها … إذًا أحدٌ لم تنطق الشَّفتان
فإنَّ «أحدًا» وإن وقع مثبتًا (٤) لكنَّه في الحقيقة منفيٌّ، لأنَّه مُؤخَّرٌ معنًى، كأنَّه قال: إذًا لم ينطق منهم أحدٌ.
٣٤١٦ - وبه قال:(حَدَّثَنَا أَبُو الوَلِيدِ) هشام بن عبد الملك الطَّيالسيُّ قال: (حَدَّثَنَا شُعْبَةُ) ابن الحجَّاج (عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ) الزُّهريِّ أنَّه (قَالَ: سَمِعْتُ حُمَيْدَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ)﵁(عَنِ النَّبِيِّ ﷺ) أنَّه (قَالَ: لَا يَنْبَغِي لِعَبْدٍ أَنْ يَقُولَ: أَنَا خَيْرٌ مِنْ يُونُسَ بْنِ مَتَّى) قال ابن أبي جمرة: يريد بذلك: نفي التَّكييف (٥) والتَّحديد على ما قاله ابن الخطيب، لأنَّه قد وُجِدت الفضيلة بينهما في عالم الحسِّ، لأنَّ نبيَّنا ﷺ أُسرِي به إلى فوق السَّبع الطِّباق؛ ويونس نُزِل به إلى قعر البحر، وقد قال نبيُّنا ﷺ:«أنا سيِّد ولد آدم يوم القيامة»، فهذه الفضيلة (٦) وُجِدت بالضَّرورة، فلم يبق أن يكون قوله ﵊:«لا تفضِّلوني على يونس بن متَّى، ولا ينبغي لعبدٍ أن يقول: أنا خيرٌ من يونس» إلَّا بالنِّسبة إلى القرب من الله والبعد، فمحمَّدٌ ﷺ وإن أُسرِي به إلى فوق (٧) السَّبع الطِّباق واخترق الحجب، ويونس وإن نُزِل به
(١) في (د): «ألم تر» وهو تحريفٌ. (٢) «﴿الَّذِي﴾»: سقط من (د). (٣) زيد في (م): «قال». (٤) في (د): «في المثبت». (٥) في (م): «التَّكليف». (٦) في (د): «فضيلةٌ». (٧) في (د): «لفوق».